واصل الإنتاج الروائي في السعودية تراجعه أمام فنون إبداعية أخرى، وحل في المرتبة الثالثة مع استعادة القصة شيئا من وهجها القديم الذي عاشت ذروته خلال حقبة الثمانينات الميلادية، وفقا لرصد باحثين متخصصين يأتي في مقدمتهم الروائي خالد اليوسف الذي أكد في أحدث دراساته الصادرة قبيل انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2015 تراجع الرواية السعودية على مستوى النشر، مرجعا ذلك إلى أسباب كثيرة منها النقد الذي كشف عوار كثير من الإنتاج الروائي، خاصة لدى الأسماء الجديدة من الجنسين التي باتت مهووسة بكتابة الرواية في العقد الأخير، إضافة إلى تراجع اهتمام دور النشر العربية التي تزج بإنتاج بعض المؤلفين الشباب إلى الساحة الإبداعية، دونما مؤهلات أو قدرات مقابل المادة.

فيما ما زال سائدا انصراف الأندية الأدبية عن إصدار ونشر الرواية لأسباب رقابية في الغالب، فجل الرواية المحلية منذ إرهاصات الطفرة الروائية مطالع التسعينات، خاصة الأبرز منها، صدرت عبر دور نشر عربية في الخارج، ومحدودة جدا أعداد الروايات التي أصدرتها الأندية.

اليوسف كان أكد في حديث إلى "الوطن" أن "تراجع الإنتاج الروائي أمر طبيعي ومتوقع"، لافتا إلى أن الأعوام المقبلة ستشهد تراجعا أكبر لهذا الجنس الأدبي، على مستوى الكم، ونتيجة للفرز، لن يستمر ويبقى سوى الأسماء الحقيقية التي تملك قدرات ومؤهلات، وتستوعب ماهية كتابة الفن الروائي.

وبين اليوسف في دراساته الراصدة أن حركة التأليف والنشر الأدبي في السعودية أنجزت في العام الماضي 409 كتب، من بينها 79 إصدارا روائيا، ضمت رواية واحدة مترجمة، و10 إصدارات في تاريخ الرواية ونقدها.

وإذا كان الناقد الدكتور سحمي الهاجري قد ذهب في كتابه "جدلية المتن والتشكيل في الرواية السعودية" إلى موت الرواية السعودية بعد سنة 2006 التي كانت خاتمة الطفرة الروائية السعودية، حسب تعبيره، وأن كل الروايات التي ستأتي بعد ذلك هي مجرد تكرار واجترار للنصوص الروائية السابقة، قائلا "الطفرة الروائية المحلية انتهت بنهاية عام 2006، لأنه لا توجد طفرة تستمر إلى ما لا نهاية. وبالتالي، فإن الروايات التي نشرت بعد هذا التاريخ إما مجرد تقليد وتكرار واجترار لنماذج الطفرة، وهي الأكثرية، وإما تجاوز لروايات مرحلة الطفرة في نماذج أخرى قليلة حتى الآن".

من جانبه، فإن الكاتب الروائي صلاح القرشي تستوقفه ظاهرة حضور أسماء إبداعية مخضرمة سجلت وهجها عبر القصة القصيرة، وكتبت روايتها الأولى في السنتين الأخيرتين، مشيرا إلى القاص عبدالله باخشوين في روايته "سلطان سلطانة"، والقاص حسين علي حسين في روايته "حافة اليمامة"، اللذين ينتميان إلى جيل السبعينات من كتاب القصة.

أما فيما يتعلق بغياب المنتج الروائي السعودي عن الجوائز الروائية عربيا، وعدم قدرته على المنافسة، فيقول القرشي صاحب راويات "بنت الجبل" و"تقاطع" و"وادي إبراهيم" المشكلة أن مقولة "تراجع الرواية" كلمة ربما يقولها شخص واحد، فيرددها الباقون بكل غباء، متسائلا "هل لا بد أن نحقق كل عام بطولة البوكر، وإلا سيقال ليس لدينا رواية".

ويكمل "المسألة ليست تنافسا أو بطولة رياضية، هذا سياق إبداعي مختلف تماما عن السياق الرياضي، وإن كنت أرى أن هناك تشابها لدينا في تخبط المجال الثقافي مثل المجال الرياضي!".

ولا يختلف الروائي عبدالله التعزي في رؤيته عن صلاح القرشي، مؤكدا ضرورة تنحية مسألة الإبداع الكتابي عن فكرة المنافسة وما إلى ذلك من أفكار يروجها من يتعامل مع الإبداع والفنون، منها الكتابية بذهنية التنافس والقطرية، فالرواية إما أن تكون إبداعا أو لا تكون، بعيدا عن الانتماءات القطرية الضيقة التي ربما تناسب المنافسات الرياضية التي لا يمكن تطبيق معاييرها على الإبداع الكتابي، والرواية جزء منه.

ويعود صلاح القرشي إلى مسألة تراجع الرواية المحلية موضحا "أنا أرى أنها تراجعت على مستوى الكم فقط، وهذا شيء طيب، لكن نسبة الجيد والمقبول مستمرة كما هي.. في كل العالم كما أتصور دائما هذه النسبة تبقى في حدود العشرين في المئة".

يذكر أن دراسات بحثية ونقدية أجمعت على أن الرواية العربية انطلقت في المملكة منذ ثلاثينات القرن الـ20، عبر تجربة عبدالقدوس الأنصاري "التؤامان"، وكانت التجربة الأنضج فنيا ممثلة في "ثمن التضحية" لحامد دمنهوري 1959، وحققت تراكما لافتا للانتباه منذ مطالع التسعينات مع تجارب عبدالعزيز مشري ورجاء وغازي القصيبي، وتركي الحمد، ثم تاليا عبده خال منذ 1996 إلى غاية العقد الأول من سنوات الألفية الثالثة التي شهدت الانفجار الروائي الكبير.

وأحصى خالد اليوسف حوالي 203 روايات محلية صدرت ما بين 1990 و2006، وهو العام الذي رأى الدكتور سحمي الهاجري أنه توقيت لموت الرواية، الرأي الذي يرفضه عدد من النقاد والروائيين، مؤكدين أن ما حدث ليس بموت قدر ما هو فرز للعملة الجيدة التي حتما وبالضرورة تكون طاردة للعملة الرديئة، حسب توصيفهم.