نسمع كثيرا عن عدد حالات الطلاق في بلادنا والأرقام في ازدياد، وحسبما تقول الإحصاءات فإن ثلثي حالات الطلاق تقع في السنة الأولى، ولا شك أن الطلاق خاضع للتحليل، ويمكن معرفة أسبابه شريطة ألا تخرج هذه الأسباب من الأيديولوجيا والموروثات، أو أن تكون مواعظ و إرشادات كقولنا إن الزوجين لم يلتزما بحقوقهما تجاه بعضهما، أو بسبب ضعف الوازع الديني، أو تسبيبات عامة مثل عدم تحمل المسؤولية لدى شباب اليوم، وإنما لا بد من فحصه بدقة وهذه تحتاج إلى جهود ميدانية حقيقية، واستبيانات كثيرة وسرية لتحافظ على خصوصية المطلقين، وأن تكون تعبيرية أي ليست بالاختيارات أو الإشارات، وإنما لا بد أن يعبر كل من الزوجين عن سبب الطلاق صراحة، وبعدها يمكن معرفة الأسباب، لكن كبعد ثقافي تحليلي يمكننا القول إن الطلاق كسائر الظواهر لا يمكن معالجته بمفرده، وإنما تتداخل الظواهر مع بعضها وفيما يخصه هو وفيما يخص الطلاق في السنة الأولى تحديدا، فإنه يمكننا إرجاع الأسباب إلى سببين محتملين أكثر من غيرهما:

الأول: أن يكون لمشاكل جنسية، فيجب ألا نغفل هذا السبب أو نستخف به حتى وإن كانت الممارسة مكتملة من الناحية العضوية، وتلك الإحصاءات التي ننتظرها هي ما تكشف ذلك إن وجدت.

الثاني: هو مفاجأة كل من الزوجين بالآخر، وعدم ترتيب حياتهما الزوجية قبل الزواج، ومعرفة الأطر العامة له وما يرغبه كل منهما والأشياء التي يحبها ويكرهها بداخل الزواج، بل معرفة هل يصلحان لبعضهما أم لا، فالطلاق في السنة الأولى ليس من مشكلة طارئة، وإنما لأن الزوجين لا يصلحان لبعضهما.

فالمشكلة لا تتسبب في الطلاق إلا بعد تراكمها في أعوام عدة، وهذه الفجائية تحصل بسبب الفصل الحاد بين الجنسين، مما لا يتيح لكل منها الالتقاء بالآخر وهذا من أبرز عيوب هذا الفصل المبالغ فيه.

فالالتقاء في بعض العوائل لا يكون إلا هاتفيا قبل عقد القران، وبعضهم بعد عقد القران، ومعلوم أن هذه المحادثات الهاتفية تأخذ طابع التسلية أو محاولة للتعود على الطرف الآخر في أحسن أحوالها، لكنها ليست ذات طابع جدي أو فعّال، لأنها من تحت الطاولة، ولو كان اللقاء مباشرا ومعترفا به اجتماعيا لأخذ جدية أكبر ولرسما الخطوط العريضة لحياتهما، كأن يلتقيا قبل عقد القران في بيت ذوي الزوجة بمفردهما لساعات وبشكل متكرر بلا خلوة وطء.

والعجيب بل المضحك أن المرأة تقضي وقتا أطول وبشكل مباشر مع بائع الأقمشة أو الأحذية الذي تشتري منه أكثر من الزوج مع أنها في شبه خلوة مع البائع، والزواج أهم من البضاعة التي تشتريها.

هناك سبب يمكن إضافته لكن ليس خاصا بسبب الطلاق في السنة الأولى وإنما بالطلاق عموما، وهو أن ذهنية القادم للزواج أو المتزوج أحيانا متخمة بالحقوق والواجبات، مع أن غالبها أدوار نمطية وليست حقوقا أو واجبات، فلو استبدلت بمقاصدها الرئيسة وهي تحقيق السعادة وحسن تنشئة الأبناء كأغراض رئيسة للزواج ومهمات تمارس لكانت أفضل من تلك الأدوار التي من ضمنها القوامة والوصاية والنفقة وترتيب الدخول والخروج وغيرها، فما هذه إلا وسائل وترتيبات وليست شروطا أن توصل لهذين الغرضين، وإنما يحدد الزوجان الآلية التي توصل إليهما، مع قيام الإعلام بغرس هذه المقاصد الجديدة ومساعدتهما في كيفية الوصول إليهما، فإذا نجحنا في الاستبدال خف الاحتقان المسبب للطلاق، لأنهما لن يدخلا ليمارسا مهمات ويتحملان مسؤولية، خاصة وأن بعضها تدور حول الأنا وتضخِّم منها أو تدخلها، وهنا تصبح المشكلة مضاعفة.

إذا كان هناك من لا يوافق على ذلك فحينها سنرجع إلى السؤال الكبير الذي دائما ما نسأله وهو: هل العقل هو المتصرف والمرجعية الكبرى في مواضيع الزواج أم إنها خارج العقل؟

فإن كانت خارجه فأعتقد أن انشغالنا بإدخال العقل إليها أهم من معالجة مشكلة الطلاق نفسها التي أشك بنجاحنا في معالجتها ما دام مجاله ما يزال خارج العقل، فالأيديولوجيا لا تحل مشكلة.