يناير 2012 كان التغيير وإسقاط الأنظمة رايتي المرحلة. وكان الربيع العربي وصل كفكرة إلى مرحلة القدسية عند مؤيديه. وظهرت حول الفكرة وبجانبها مطامع النفوذ وإعادة الإمبراطوريات فكشف الجميع عن النيات. في تلك الأيام أقام المعهد السويدي في الإسكندرية ندوة بعنوان (الثورة والانتقال الديموقراطي في الوطن العربي: نحو خطة طريق)، اشترك فيها مركز دراسات الوحدة العربية. ومع أن تلك الأيام اتضح فيها أن الخليج -وعماده السعودية- لم يسقط في عاصفة الربيع إلا أن السويديين أصروا على تضمين محور عن حالة حراك شعبي في السعودية والخليج. وكانت السفيرة السويدية بريجيتا هولست مديرة المعهد تكرر أن الوطن العربي يحتاج ثوره ثقافية وفكرية وأن الثورة السياسية لا تكفي، وأن الواقع الاجتماعي في (كل الأقطار العربية) سيئ ويحتاج إلى تغيير.
كان السويديون يطرحون برنامج عمل لتطور الدول العربية وتغييرها.. ولأن تلك الأيام من الماضي القريب جدا انتهكت فيه السيادات، وكانت الأحداث بالمئات وانشغلت الدول باليوميات وتفاعلات الفوضى.. ونسي الرأي العام إشارات واضحة لاستراتيجيات لدول كانت في الظل الدولي فأصبحت لها مطامع وتطلعات. بعد ثلاثة أعوام عاودت السويد الكرة، ليس عبر معهد أكاديمي ولكن عبر رأس الديبلوماسية؛ بهجوم لا يمت للصدفة أو زلة اللسان بصلة، وبدل الثورة والحراك استخدمت هذه المرة حقوق الإنسان.
السيدة والستروم التي أزبدت وأرعدت قبل أسابيع هي الآن تخطو إلى الوراء قبل التراجع الكامل، ليس لأن اللسان أخطأ ولكن لأن السعودية بثقلها وقوتها الناعمة وعمقها الخليجي تحركت لصد هذا التدخل. ولأن السياسة -وخصوصا في الغرب مصالح فقط- فإن الوزيرة الموقرة التي تذوب عشقا في حقوق الإنسان في بلدان بعينها وتحرم دولا أخرى طمعا في مستقبل ما بعد التسويات من هذا العشق؛ ورطت حكومتها هذه المرة.. فليس كل الشرق الأوسط مشاعا للتدخل، وهذه المرة قفزت في حمى من لا يقفز في حماه.. وبدلا من البكاء على ظلم القضاء السعودي فيا ليتها بكت على مئات السويديين الذي يرمون أنفسهم على قضبان القطارات، وعلى تزايد معدلات انتحار الشباب السويدي، وعلى خمسة سويديين ينهون حياتهم يوميا اختياريا! أما أبرز ما في هذه الأزمة الديبلوماسية فهي إدارة العهد الجديد في وطننا لها سياسيا وإعلاميا واقتصاديا، وتأييد محيطنا الخليجي اللافت والقوي.
سيفكر السويديون وغيرهم الآن ألف مرة قبل الانتقاد الرسمي لمقوماتنا السيادية.. وسيفشل هم وغيرهم في تغيير التزامنا بعصمة أمرنا وهي الشريعة الإسلامية.. "واضرب الذيخ يستأدب الأسد".