أصدر موقع البينة، المخصص لبيان كل ما يتعلق بالشأن الشيعي في إيران، دراسة تحليلية تناولت مواقع ومواقف عديدة في تاريخ رجال الدين في الحياة السياسية الإيرانية التي بدأت مع قيام الدولة الصفوية التي احتل رجال الدين فيها أعلى المناصب بعد منصب السلطان. وكان كل منهما يستند على الآخر لتقوية نفوذه وتحكيم سطوته السياسية والروحية في المجتمع والدولة. كان السلطان الصفوي على ما فيه من الفساد والإجرام، إلا أنه قد أعطيت له ألقاب دينية عديدة من قبل رجال الدين، من أهمها لقب نائب إمام المهدي المنتظر بالوكالة، وهو ما يعادل منصب الولي الفقيه الذي يحكم إيران اليوم، وذلك في مقابل السماح لرجال الدين بما يمكنهم من لعب دور في الحياة العامة عبر ابتكار مسميات جديدة من قبيل "المرجع الأعلى، نائب الإمام، وغيرها من المسميات التي تهدف إلى إخضاع المجتمع إلى سُلطة رجال الدين الذين اتفقوا مع السلطان على تقاسم السلطة بينهما.
وقد استمرت هذه الشراكة بين السُلطان الجائر ورجل الدين البائر مدة تزيد على أربعة قرون وعمل كل منهما على التزام مبدأ الشراكة بينهما إلا أن قيام الشاه محمد رضا بهلوي بإطلاق "الثورة البيضاء" في منتصف القرن الماضي التي كان من أهم ما جاء فيها قانون الإصلاح الزراعي وغيرها من القوانين الأخرى أدى إلى إثارة غضب رجال الدين الذين اعتبروا ذلك مناقضا لمبدأ الشراكة بينهم وبين السلطان، ورأوا أن الشاه يهدف من وراء هذه الحركة إلى تجريدهم من أملاكهم وتقليص نفوذهم، ولهذا ثاروا ضده حتى أطاحوا به وأصبحت السلطة خالصة لهم دون شريك.
بعد سقوط حكم الشاه البهلوي شهدت إيران لأول مرة تجربة الحكم المطلق لرجال الدين، وبما أنها كانت تجربة غير مسبوقة، فإن الدعم لها كان كبيراً وكان حب الناس للإسلام وأملهم في الخلاص من قهر واستبداد نظام الشاه البهلوي هو الذي وقف وراء ذلك الدعم لرجال الدين، إلا أن رجال الدين الذين لم يكن لهم عهد في إدارة الدولة والسلطة السياسية، قد واجهوا فشلا ذريعا في عملهم ولكنهم عملوا، ومازالوا يعملون، على اتخاذ أسلوب القهر والاضطهاد وسيلة لإسكات الشعوب الإيرانية المعترضة على هذا الفشل.
كان "المعممون" ولمدة تزيد على عقد من الزمن يرفضون رفضا قاطعا إشراك غيرهم في اتخاذ القرار السياسي وإدارة المؤسسات الحكومية، أو تولي غير "المعممين" مناصب عليا في النظام والدولة، و كانت عملية الإطاحة بالدكتور أبو الحسن بني صدر أول رئيس جمهورية منتخب، أحد مظاهر رفض مبدأ الشراكة مع المدنيين أو ما يسمون بالأفندية. إلا أن الضغوط الداخلية والخارجية والإحساس بضرورة تلميع الصورة السيئة للنظام قد أجبر الملالي على إدخال فئة غير "المعممين" في السلطة، ولكن على شرط أن يكون هؤلاء تبعا لهم، ولهذا جرى اختيار أحمدي نجاد ليكون حصان طروادة لدى المعممين ولكن هذا الزواج لم يدم طويلا حتى بدأ الخلاف يظهر إلى العلن وتحول إلى صراع أفرز تيارات متحاربة.
إن ما شهدته حكومة أحمدي نجاد خلال السنوات الماضية من فساد وجور لا يقل عن فساد أي مرحلة من مراحل نظام "المعممين" طوال العقود الثلاثة الماضية التي امتلأت بالفساد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وأوصلت البلاد إلى ما هي عليه من حصار وعزلة دولية. ويرى المراقبون أن حكومة أحمدي نجاد توصف بأنها أفسد حكومة شهدتها إيران في ظل حكم رجال الدين، ويستشهد المراقبون على ذلك بعدد من الأمور، منها على سبيل المثال دخول وزراء ومسؤولين كبار الحكومة بشهادات مزورة ويستدلون على ذلك بحادثة عزل أول وزير للداخلية في عهد نجاد، عوض علي كردان، حيث كان يحمل شهادة دكتوراه مزورة. علما أن إجراء عزل الوزير المذكور لم يكن بسبب شهادته المزورة فعدد حملة الشهادات المزورة في نظام الملالي لا يُعد ولا يُحصى ولكن الصراع بين "المعممين" و"الأفندية" هو الذي أدى إلى عزله.
لقد ميز ملالي الحُكم في إيران أنفسهم عن سائر الناس وجعلوا أنفسهم طبقة لا يرقى إليها أحد، حتى إنهم استحدثوا محكمة خاصة بهم تسمى "المحكمة الخاصة برجال الدين" الهدف منها بالدرجة الأولى هو أن لا تكون لأحد سلطة على "المعممين" وإن كان هذا الأحد قاضياً يحكم باسم القانون الذي سنوه بأنفسهم. ثانياً، هدف هذه المحكمة التستر على فضائح "المعممين"، حيث أدى هذا التعالي على الناس بالكثير من الملالي وأبنائهم إلى ارتكاب أفحش الجرائم ولكن الحصانة التي منحهم إياها النظام جعلتهم مميزين عن الآخرين بكل شيء حتى في تطبيق الأحكام التي أنزلها الله بحق السارق والزاني والقاتل وغيرهم من المجرمين.
قد يقول قائل، إننا ومهما اختلفنا مع هؤلاء الملالي ونظامهم الإجرامي، فهذا لا ينفي أن هؤلاء بشر وبالتالي فهم يحملون الغرائز نفسها التي يحملها سائر الناس، وقد يكون ما ترتكبه هذه الطبقة من جرائم وفواحش ليس أكثر مما يرتكبه الآخرون؟ نقول نعم، ولكن هؤلاء الملالي قد وضعوا أنفسهم فوق البشر، وأعطوا أنفسهم ألقابا ومسميات لم تعط لغيرهم، ومنحوا أنفسهم سلطات تفوق سلطات البشر.