يبدو أن هوس شبكات التلفزة بتقديم الصادم من برامج تلفزيون الواقع قد وصل إلى كل شيء، فبعد تقديم برامج واقعية عن الطباخين والمشاهير والعراة! ها نحن نصل إلى عصر "واقعيات" الحيوانات!

إذ أطلقت أخيراً شبكة التلفزة الأميركية "ناشونال جغرافي" برنامجا واقعيا لقردةٍ من فصيلة الشمبانزي! تقوده العالمة البريطانية الثمانينية: "جين جودل" Jane Goodall، تلك المرأة التي أفنت عمرها تلاحق "الشمبانزي" في كل مكان -منها خمسون عاماً في غابات تنزانيا- حتى أضحت الأعرف بصفاتها وأطباعها.

بيد أن جميع إنتاجها السابق كان مجرد كتب توثق ملاحظاتها الدقيقة، أو أفلام وثائقية تصوّر تفاصيلها اليومية، ولكنها المرة الأولى التي تصبح فيها تلك القردة العليا البطل الأوحد للبرنامج، فالمشاهد يتابع عملية التعليم بالوسائل المباشرة وبالمحاكاة، وكيفية التطور العقلي والاستنتاج المنطقي للقردة نفسها، وبالذات الصراعات الناشئة وكيفية السيطرة وفرض النفوذ، الأمر الذي يثير الدهشة والإعجاب في آن واحد.

لطالما آمن العلماء بأن القردة العليا أكثر الحيوانات ذكاء وقدرة على التطور العقلي، وهذا البرنامج الواقعي يؤكد هذه الفرضية، ففي كل مرة تكتسب القردة مزيدا من المهارات العقلية والتواصلية، وتواصل تحسين سلوكها وتفاعلها مع قرنائها ومحطيها الخارجي، وبالطبع تلعب الخبرة الطويلة لجودل دوراً في تسريع وتعميق علميات التدريب والتعليم للقردة القابلة أصلاً للتعلم والتطوّر، ولعل مشاهدة مقطع من تجارب التعليم تفصح عن قدرٍ كبير من الصبر والمثابرة تتحلى بها "جودل"!

قد يكون هذا البرنامج من القلة القليلة من برامج الواقع ذات الفائدة للمشاهدين، على عكس تلكم "النفايات" التي تتحفنا بها القنوات التلفزيونية كل يوم، والهدف مجرد جذب الجمهور بأي وسيلة، ولكن ماذا لو فكرت قنواتنا العربية بشيء يجذب الجمهور ويكسب شيئاً من المعرفة والحس العلمي كما تفعل "جودل" مع قردتها؟ حتما سيكون سبقا رائعا ومفيدا في آن واحد.