سأفتتح المقال برأي صارم يُنسب إلى عميد الأدب العربي طه حسين قال فيه: "إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضا".

مناقشة هذا الرأي يمكن أن تأخذ أكثر من منحى، خاصة إذا أدركنا أن من أبناء العربية مولدا ونشأة ممن يقع نتاجهم تحت قبة الفكر والثقافة، يكتبون اليوم بلغات أخرى غير العربية، ويُقرأون على أنهم مثقفون عرب، استطاعوا الانعتاق من طوق المحلية ليسافروا بعيدا ويرتعوا في المنجز العالمي، بوصفهم مشاركين في معمار الحضارة فكرا وإبداعا.

إن رؤية العميد الصارخة يمكن أن تفهم وتستوعب إذا علمنا مقدار انتمائه إلى لغته الأم، وانكفائه على الدرس اللغوي والنتاج الإبداعي قراءة وبحثا وتحليلا، بيد أن الزوايا الأخرى التي تشع من هذا الرأي قد تفهم على أن طه حسين -وهو من هو- يشكك في ثقافتهم من حيث هي متأسسة ورصينة ومتمكنة من أدواتها المعرفية والدلالية.

وعلى الجانب الآخر من "رجولتهم" التي أحيلُ معناها ودلالتها إلى شخصياتهم بين الرسوخ والتأرجح، بين الانتماء ومحاولة الانفكاك، وأخيرا بين الاعتداد بالأرومة والمحتد والارتماء في أحضان التغريب والتبعية، هذا ما أفهمه على الأقل في ظل ما تسمح المساحة بالتعبير عنه أو مناقشته.

البعد الثاني الذي رآه العميد -يرحمه الله- هو المهانة التي تعتور المثقف العربي حين لا يتقن لغته، ولا ينصب انصبابا على تجرع آدابها وفنونها، ألفاظها ومعانيها، أسمائها وحروفها، حقائقها ومجازاتها ما يعيدنا إلى السؤال المتجدد دوما: من المثقف إذن، وما مواصفاته؟ إن السمة التي استهلت بها المقولة بالتأكيد على وجود مثقفين عرب تشير إلى الموافقة على انطباق الوصف عليهم لغة واصطلاحا، فكيف يمكن تفسير سلب الصفة لاحقا بل والزيادة في الإمعان بسلب الرجولة ثم إلحاق ذلك كله بالمهانة والوضاعة؟