كل جريمة نتعامل مع فاعلها بالدلال والعفو، بالإخفاء والتستر، وحكاية (الاحتفاظ بالاسم) لن تثمر عن إعادة تأهيل للمجرمين كما نتوهم ونعتقد، بل تعطي إشارة سالبة لمجرم آخر أن النهايات الواعدة تأتي بحب الخشوم. أكثر من ذلك فإن ما أخشاه ليس إلا أن منهج العفو والصفح وإخفاء هوية هؤلاء المجرمين لن يثمر إلا عن المنهج النقيض في صناعة الجريمة واستمراء الشذوذ والجنح، عن صناعة مجرمين جدد قادمين على الطريق طالما فهموا الرسالة السابقة في غياب الردع.
اليوم، أقرأ أن خمسة آباء سيقابلون سمو وزير التربية والتعليم لطلب الصفح والعفو عن أبنائهم الذين اعتدوا بالضرب على معلمهم بالمدرسة. أستأذن سمو الأمير الوزير إن قلت : لا تعفُ عنهم، لأن الرسالة الخاطئة التي يبثها هذا العفو ستحيل كل مدرسة إلى حالة من ـ البلطجة ـ ولا تعف عنهم، لأن الآباء الذين قدموا إليك شركاء بنسبة في الفعل: من هو بيننا الذي لا يعرف سلوك ابنه؟ وبالأمس ، يصرخ الصديق صالح الشيحي في وجه المؤامرة التي تحاول إخفاء معهد أو كلية أو أكاديمية للعلوم الصحية من القطاع الخاص تورطت في تزوير شهادات تمريض ثم تبيعها على كوادر تبدأ فعل الجشع على جلودنا ودمائنا. وإذا وصل تزوير الشهادة إلى هذا الحد المخيف، فإن الفاعل الحقيقي هو الجريمة التي تتستر على االاسم الذي يخفي جريمة بهذا الحجم وبعدها ستبدأ أخرى بتزوير شهادات الأطباء، إن لم تكن قد بدأت بالفعل. وقبل هذه القصة المخجلة من التستر وإخفاء المجرم، تذكر القصة الأخرى عن قبض السلطات في مدينة أبها على عمالة بنجلاديشية ضبطت وهي تبيع زيوت الطبخ المستعملة على عدد من المطاعم في ذات المدينة، وتقوم بشرائها من فندق يبيع هذه الزيوت (المهدرجة) المسرطنة.
وكل أركان الجريمة تحتفظ ذات السلطات باسمها خفياً رغم أن الجريمة الحقيقية من الإخفاء تطال بقية المطاعم والفنادق التي لم تتورط بعد. والمجرم هو من يتورط في ستر هذه الجرائم. ومن المخجل بمكان أننا أصبحنا حتى أجبن وأخون وأصغر من أن نفضح مطعماً أو فندقاً أو حتى عصابة مجرمة. فمن هو المسؤول الشجاع الذي سينشر أركان الجريمة على لوحة إلكترونية في مدخل المدينة؟ كل مجرم أصبح لدينا يعرف التحويلة: قبول الحكم في رجب ودخول السجن في شعبان ثم الخروج منه في مستهل الهلال الذي يليه.
ما هو الفساد إذاً إذا لم تكن عين الفساد أن تتستر على المجرم؟