جرت العادة في الدراما السعودية عموما على استعمال الجنوب من حيث اللهجة وتمثيل الشخصيات، كمادة للظرافة، قد تصل أحيانا إلى الأسف حتى الاستخفاف والتندر، يظهر هذا في الكثير الكثير مما عرضته وتعرضه الشاشات باختلافها. لم يؤخذ الجنوبي بعد على محمل الجد، لم يقرأ من زوايا تجذره في الوجدان، في العذوبة. لم يقدم كما يجب، وهو الحافل بزخم شديد الثراء. الروائيون والشعراء فقط حاولوا فعل شيء، والأغنيات فعلت. لا بد وأن سمعتم جميعا "ظبي الجنوب" لمحمد عبده، وما أجملها!.
جاء برنامج اليوتيوب الكوميدي "روايا" الذي يقدمه صالح أبو عمرة بهذا السبق، اشتغل على نكهة الجنوب وحلاوته دون استخفاف، فحقق نجاحا واسعا. لذا ليته ينتبه يمضي قدما في هذه الأهمية، ويحفر عميقا في هذا العالم المليء بالحكايا والأساطير والمعنى، ولو على سبيل فقرة صغيرة. أتمنى مثلا على صالح أن يخصص جزءا من دقائق حلقاته، وبشكل دائم، للتعريف بالشخصيات الجنوبية التي أثرت في الوجدان العام للمنطقة بأثرها وفنها وروحها. لو بدأ مثلا بـ"إِبر عشقه" كواحد من أعظم النماذج التي مرت بهذه الجبال والتهائم، في المئة سنة الماضية، الشاعر الشعبي، صاحب الحكمة والغزل والطرب الهائل، هذا المتنبي البسيط العميق. وبالمناسبة فحتى شهرة اسمه "ابن عشقه" جاءت من قصة غاية في الجمال والشعرية، لعل صالح يقدمها بطريقته.