في كتاب "من أساطير القرى.. مرويات تهامية" للكاتب السعودي عمرو العامري، تظهر القيمة الحقيقية للأسطورة الشعبية البسيطة في مجتمعنا المحلي.

فعلى الرغم من المدنية الغارقة التي تعيشها مدننا المتباينة في ثقافاتها وعاداتها، والتي تمردت بشكل لافت على كل تلك المظاهر البسيطة، فإن الإنسان ما زال في داخله حنين وأثر دفين تتجلى فيها تلك المفاهيم والمثل التي تعبر عنها باقتدار تلك القصص والروايات والشخصيات الأسطورية.

أتذكر جيدا كيف كان الحديث عن كتاب أساطير شعبية لعبدالكريم الجهيمان في فترات الثمانينات الميلادية، ذلك الكتاب يعد في رأي دارسي الثقافة الاجتماعية والتاريخ المحكي مرجعا حقيقيا للأسطورة والرواية المحكية المحلية التي استطاعت أن تحفظ لذاكرة المجتمع بعضا من ملامح منطقه، وأن تعطي صورة مجردة لهموم ومخاوف وطموح أزمنة وشعوب كانوا هنا يشبهوننا ويختلفون عنا كثيرا. الخوف من تناول تلك الحكايات يعد تمردا على أصل تكوين ذلك المجتمع الذي نحن امتداد له، وثورة ظالمة على فكر الأجداد والجدات الذين كانوا يحاولون تفسير كل مظاهر المجتمع الغريبة من منطلق منطق المكان والفهم البسيط لطبيعة حركة الكون والعقل والإنسان.

فيها الكثير من السذاجة بلا شك، ولكنها في ذات الوقت تحمل في ثناياها عمقا حقيقيا لمعان إيجابية وسلبية لم يعد مجتمعنا اليوم يشعر بها ويتعامل معها إلا من خلال ما يملى عليه من تفسيرات.

اليوم ونحن نعيش في زمن التعقيد والمنطق الرقمي، نجد أن الخيال الخصب الذي كان يسير الأحلام والطموح اختزل في بحث جوجل ورأي الشيخ وما يفرضه عليه محيطه.

القابور وجدة المطر والكشاحة والبده والسعلوة وقصص الحنشل وغيرها من أساطير جزيرة العرب، هي النواة التي خلقت الحلم في أبناء القرى الذين أصبحوا أدباء ووزراء وقادة عسكريين، فلا تهملوها وأعيدوها إلى خيال هذا الجيل الذي تاه عنه الطريق الذي يوصله إلى ساحل الخيال.