أجمل توقيت لمعرض الرياض الدولي للكتاب هو التوقيت الذي أقيم فيه، تحررت الرياض من برد شتائها، وتستريح قبل أن يدهمها القيظ.
نهار الرياض زحمة، ورشة عمل في كل اتجاه، وعلى كل صعيد، كأنها تتخلق من جديد، تضيق شوارعها الآن لتتسع غدا، تتباعد أرجاؤها بتسارع لتطمئن بعد حين، تتناول الصحراء من أطرافها لتخضر وتعمر عما قليل.
لكن إن أردت الرياض وحدك فتعال في الليل. في الليل تبوح الرياض لمن طارحها البوح، بها لوعة حزن على عبدالله بن عبدالعزيز، وبها بسمة تفاؤل بسلمان بن عبدالعزيز، والرياض حين تحزن يحزن الوطن كله، وحين تبتسم يبتسم الوطن كله.
معرض الرياض علامة فارقة للرياض. إنه ضخم، ضخم جدا، للدرجة التي يتمنى المرء أن يكون المعرض ضخما لا ضخما جدا. هناك دور نشر يتشابه إنتاجها، يمكن الاعتذار لبعضها من باب تقديم الكيف على الكم.
كانت الوزارة قد اختارت من المثقفين لجنة استشارية لكن بعض أعضائها انسحبوا إثر تدخل موظفي الوزارة في عملهم.
تصريحات إدارة المعرض مطمئنة لجهة الصرامة في منع تجاوزات المتجاوزين، لكن الإدارة خضعت لهؤلاء مرارا. يمكن لأي "محتسبين" أن يمنعوا أي كتاب يريدون منعه.
آخر ليلة سألت مدير إدارة المعرض من الذي يفسح ويمنع؟ قال: تعال معي إلى مكتبي ونتكلم في الموضوع!
أن يمنع متحمسون كتابا أو يربكوا محاضرة أو يمنعوا النساء من دخول صالات عامة هي تجاوزات صغيرة والنظام صريح في منعها، لكن رمزيتها كبيرة ومكلفة، إنها ببساطة ممارسة سلطة على السلطة الرسمية، فرض رأي على المعرض وإدارته ووزارته وعلى الناس. والخضوع لهؤلاء والتغاضي عنهم خطأ فادح ويضرب غاية المعرض وشعاره في الصميم.
في منتصف آخر ليل قدّمت إدارة المعرض، موعد مسرحية "نوستاليجا" من الثامنة مساء إلى الرابعة عصرا، دون إعلان عن ذلك، خوفا من بعض "المحتسبين الهواة".
ويتساءل المرء: ولماذا التصريحات والشعارات؟ ولماذا تطلب الإدارة تأمين المعرض برجال الأمن ثم لا تستعين بهم عند الحاجة؟. أمرٌ يحير اللبيب!
ليت الوزارة تعهد بإدارة المعرض إلى فريق من المثقفين لا الموظفين.