مصر التاريخ والعراقة، بل إنها الأهل والعلم والطب والثقافة والدين والأخلاق والسماحة وحسن المعشر والقوة العسكرية. مصر ليست مجرد قطر عربي، ولكنها الأخت الكبرى، بل هي السند للجميع برجالها ونسائها الذي يدعمون خطط التنمية والبناء في بلداننا العربية المختلفة. مصر الألماسة الكبرى وسط العقد العربي، إذا اختلت اختل العقد وفقد جواهره، ولهذا يجب أن تخرج من وعكتها ولا أقول كبوتها، لأنها لم تكب بل مرت بوعكة عارضة هي قادرة على الخروج منها بعزيمة أكبر، ورؤية أوضح.
مصر بكل تياراتها السياسية ومكوناتها الدينية هي رمز فخر واعتزاز لنا جميعا، وليسمح لي إخواني وأخواتي المصريين وأنا المحب لمصر وأهلها، أن أنادي أهلي في مصر للوحدة والتضامن معا، من أجل مصر العروبة، مصر الأزهر، مصر التاريخ والعراقة، مصر التي وقفت سدا منيعا أمام الكثير من المخططات المغرضة للأمتين العربية والإسلامية. مصر بعلمائها وعقلائها وقادتها ورجالها ونسائها قادرة على أن تعلم العالم درسا جديدا في التضامن والخروج من هذه الوعكة متحدة متجاوزة لما وقع من تجاوزات هنا وهناك، ولكن هذه الوعكة ليست بالضرورة سيئة بقدر ما يجب أن تقوي جهاز المناعة المصري ضد أعداء مصر.
مصر لم ولن تقبل الإملاءات من أحد، فتاريخها مليء بالدروس والعبر. إنني كعربي محب لمصر لا أريد أن أنظر في نشرات الأخبار التي تدمر الأنفس وتمرض العقول، وتبث الكراهية والحقد، وتألب المصريين ضد بعضهم، لا يمكن الرجوع إلى الوراء، ولا يمكن الاستمرار في هذا الوضع الذي لا يرضينا، ولا يرضي من يحب مصر. مصر بحاجة لنا ونحن بحاجة لها، مصر لا تقبل إلا أن تكون أم الدنيا، مصر المعززة والمكرمة، والتي لا نقبل سوى عزتها وكرامتها، ونبلها وشهامتها، مصر أرض الأنبياء، وخير أجناد الأرض. كم يغبط الناس المصريين على محبتهم لوطنهم. فلقد أصابتهم عين الحسد على حبهم للمحروسة. نريد أن نرى المصريين تجمعهم مصر ولا تفرقهم، لأننا تعلمنا منهم الغيرة على الأوطان حين نراهم يرددون اسم مصر على ألسنتهم، ويدعون لها بالخير، كيف لا؟ وهم من تحمل الضيم معها حين مرت بالعديد من التحديات، ولهذا مصر دائما مستهدفة من أعداء الأمتين العربية والإسلامية.
مصر تحتاج من جميع العرب والمسلمين الدعاء والوفاء والتضامن والرد على كل من يحاول الإساءة لها أو التدخل فيها، أو العبث بأمنها واستقرارها وسيادتها واستقلالها. كم أتمنى أن أرى مصر وقد تحولت إلى ورشة عمل لترميم الأنفس والعقول وإصلاح ذات البين، نريد أن نرى مصر وقد انتفضت من وعكتها، ووقفت صفا واحدا لبناء مصر وتطوير وتنمية مصر، أكتب وأنا أشاهد في ذاكرتي كل فئات المجتمع المصري الذين عملوا في بناء مجتمعاتنا وتطويرها من البنائين والأطباء والمعلمين وأساتذة الجامعات والمهندسين، وغيرهم من الكوادر الرائعة التي ندين لها بالجميل.
نعم اليوم مطلوب منا أن نرد الجميل لمصر بعدم السماح لمن يريد أن يألب المصريين على بعضهم في أي موقع كان، وأن نذكر إخواننا وأخواتنا في مصر أنهم أسرة واحدة كما كنا نعرفهم، بمدنهم ومحافظاتهم، لا نفرق بين أحد منهم. وهنا أسمح لنفسي بسرد قصة وقعت لي في عام 1990 عندما كنت معلما في المرحلة الابتدائية، وكنت أدرس الصف الثاني الابتدائي، ومن بين الطلاب الطالب النجيب حمدي، وكنت أدرسهم في جميع المقررات. ومن ضمن المقررات كان مقرر التوحيد، وبينما أنا أسال الطلاب ما دينك؟ ومن ربك؟ وصلت إلى حمدي، ووالده طبيب في مستشفى عسير، وسألته ما دينك؟ قال: "دنا مسيحي مش مسلم" تجاوزته إلى زميله، لم أشعر ولم يشعر زملاؤه بأي اختلاف معه، وجاء والده واعتذر، فقلنا له لا تخاف، أنت بين أهلك وهذا حق ابنك وحقك علينا. وليس ملزما بحفظ هذه الدروس، ولم أعد أسأله عن أي شيء في الدين، وكان الموضوع عاديا جدا. كما كان معه زميل آخر من كينيا لا يعرف العربية اسمه حسين، وقد تعب كثيرا في مسايرة زملائه، وأتعبناه سامحنا الله، ولم نشعره بالغربة، وكنا نردد معه المواد ونحاول مساعدته. "حمدي" ووالده نموذج لملايين المصريين الذين عشنا معهم وعاشوا معنا بتقدير واحترام، لم نسألهم لا عن دينهم ولا مذهبهم لأنهم في نظرنا مصريون فقط، لم ولن ينمحي من الاحترام والتقدير من الذاكرة لأنه مبنيّ على قيم نبيلة. ولم نكن نفرق بين المصريين، فالمصري واحد بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية أو الدينية أو الوظيفية. أسرد هذه القصة لأدلل على أن المصري عندنا هو واحد، ولا فرق بينه وبين مصري آخر، لأننا نشعر بأن المصريين أسرة واحدة. وهكذا قدموا أنفسهم للعالم، بأنهم متحدون ومصريون أولا مهما اختلفت تخصصاتهم ومدنهم وقراهم وأعمالهم ودياناتهم، نعم نحبك يا مصر، ونغضب لغضبك، ونتمنى لك أن تكوني في الريادة دائما كما عهدناك، نفرح بفرحك ونحزن لحزنك، وليس لمصر سوى أهلها العرب من يشعر بها ويتبادل معها المشاعر والأحاسيس نفسها، حتى وإن اختلفت النخب في مواقفها ومواقعها، تبقى مصر والمصريون في عقولنا وقلوبنا مصر الموحدة روحا وجسدا شعبا وحكومة.
إنها مصر أيها السادة والسيدات، وأنا أراهن على حكمة أهلها، وعلى قدرتهم على التحمل رغم الضيم الذي ألمّ بهم سيخرجون أصحاء أقوياء وقد ازدادوا مناعة وحصانة ضد كل المغرضين والعابثين والانتهازيين الذين لا يريدون لمصر وأهلها إلا الخراب والدمار والتأخر في مشاريعها وتنميتها ونهضتها، لقد ظلمت مصر كثيرا، ولكن ستبقى مصر مصدر قوتنا حتى في أضعف أحوالها، عاشت مصر وعاش المصريون، ويسقط كل المغرضين والمتحاملين والمرجفين والمتربصين بمصر وأهلها، وكلنا من الخليج إلى المحيط: تحيا مصر.