أكد أكاديمي متخصص في الدراسات الاجتماعية أن الروايات التي يغلب عليها طابع "الأسطورة"، ويكتنفها الغموض عادة ما تُقابل بنوع من الازدراء وعدم التفهم، ويكون مصيرها الإهمال نتيجة قناعات أثيرة بأنها مجرد روح العصر التي تأثر بها واضع النص، لكن هذه النصوص التاريخية التي تبدو من ظاهرها حبلى بالأساطير، هي في جوهرها عبارة عن ترميز يكشف لنا عن عمق الدلالة الحقيقية للنص التاريخي.

وأشار عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الاجتماعية في كلية الآداب في جامعة الملك فيصل الدكتور محمد نصر عبدالرحمن أمس في معرض محاضرته "الوجود العربي في الهند في العصور الوسطى بين الحقيقة والأسطورة" ضمن البرنامج الثقافي للكلية، إلى أن علاقة العرب بالهند ترجع إلى فترات موغلة في القدم، وهى علاقات غلب عليها في البداية الطابع الاقتصادي قبل أن يتمكن العرب من فتح الجزء الشمالي من الهند "باكستان حاليا"، وتحويله إلى ولاية إسلامية، مضيفا أنه كانت هناك كثير من الهجرات العربية التي انتقلت إلى الهند واستقرت بها، وصارت جزءا من المجتمع الهندي في العصور الوسطى، وقد جرت محاولات عدة لتوثيق هذا الوجود العربي في الهند من جانب السلالات المتأخرة لهؤلاء العرب تمثلت في بعض المؤلفات التي أرخت لهذا الوجود، وقد امتزج في معظم هذه المؤلفات الواقع بالأسطورة، وربما كان مرجع ذلك ارتباطها بالمجتمع الهندي الذي ازدهرت فيه الأسطورة خلال العصور الوسطى ازدهاراً خصيباً.

وأوضح الدكتور محمد نصر في المحاضرة التي أدارها عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الاجتماعية في الكلية الدكتور جميل بني سلامة، أن من هذه المؤلفات كتاب يحمل اسم "ظهور الإسلام في مليبار" أو "قصة شكروتي فرماض"، للمؤلف محمد بن مالك، ويروى هذا الكتاب على لسان مؤلفه قصة إسلام أحد الحكام الهنود بمنطقة مليبار على الساحل الغربي للهند ويدعى "جيرامين بيرومل" أو "شكروتى فرماض".

وذكر أن موضوع المحاضرة هو محاولة لدراسة وتحليل هذا النص التاريخي من خلال رؤية جديدة.

وبعد أن روى تفاصيل الرواية تناولها من جانبين، الأول: مدى صحة أحداثها، وهل يوجد لها سند تاريخي أم لا.

والثاني: التعمق في دلالات النص التاريخي وما يحمله من إشارات في ضوء ثلاثة محاور: الأول يتناول الدور العربي في الرواية، والثاني معجزة انشقاق القمر ومكانتها في التراث الهندي، والثالث شخصية جيرامين "شكروتي" فى المخيال الهندي، مؤكداً أن هذه الرواية لم تكن مجرد سرد لأسطورة تتعلق باعتناق حاكم هندي للإسلام بقدر ما كانت رواية تحمل عددا من الدلالات، فالرواية ترصد بالأساس الوجود العربي في الهند ودوره في نشر الإسلام في ساحل مليبار وحرصت على إبراز معجزة انشقاق القمر لأهميتها في التراث الهندي، كما حرصت على ربط هذا الدور بشخصية شعبية مثل "شكروتي" نظرا لمكانتها في الهند.