لغة العرب من أفصح اللغات وأشدّها عذوبة وأكثرها انتشارا في العالم ولكن المؤسف أنها مع التطور التقني والتزاوج بين الشرق والغرب ومزاحمة اللغات المتنوعة وتيارات العولمة المختلفة التي فرضت نفسها بقوة في الإعلام ولغة التواصل العالمي أصبحت العربية مهددة بما يشبه الانقراض.

ومع شيء من الألم أضحكني طالب أجنبي جاء لتعلم اللغة العربية بالمدينة المنورة وكان في حيرة من أمره وهو يقول بكل أسف وحرقة: جئت لتعلم العربية لكني فوجئت بأن الناس لا يتكلمون بها ثم فاجأني برغبته الملحة في أن يتعلم العامية حتى يستطيع التواصل مع الناس من حوله!

إن من أسباب توحش اللغة وغربتها الخلطة المُضرَّة، لا سيما العمالة الوافدة على العالم العربي وخصوصا في الدول الخليجية التي تغص بعمالة من دول شتى دون أي لون من ألوان الترشيد، بل سائبة تغزو حتى حُجر نومنا.

وفي هذا الزخم من الوفود العابرة للحدود العربية يجد العربي نفسه وأولاده محاصرين في البيت والمدرسة والشارع والعمل وأماكن الترفيه بلهجات ولغات شتى مختلفة ومتباينة وعبر الفضائيات العالمية على مدار الساعة، ومهما بذل من جهد فإنه يبقى تحت رحمة مربية أعجمية تلقن الطفل وترضعه هجينا من اللغات واللهجات الغريبة في صغره.

لقد صار المجتمع العربي مضطرا إلى أن يلوك لسانه بعجمة ما حتى يتواصل مع عمالة امتزجت بعائلته وأصبحت جزءا منها، وبدل أن يتعلم العجمي اللغة العربية ويتقنها ويتلقفها من العائلة العربية التي يعمل عندها أصبح العربي يتحاشى لغته ويغمس لسانه في لثغة يفهمها الخدم عنده ويتعود عليها أهله وأطفاله.

يساورني الشك أحيانا فيمن عرفته رغم السَّحْنة العربية والاسم العربي وفي كل مأزق لقاء لتعارف يومي يعصرني الألم حين أسمعه يقول: أنا هـَرَبي!