في ندوة الانتماء الوطني التي أقيمت على هامش معرض الكتاب الدولي منَح المتحدثون مساحة كبيرة من وقت الندوة للحديث عن القبيلة، وكأنها المعول الأساسي الذي أحدث هذا الانقسام الفكري والأيديولوجي في المجتمع.
لست هنا في محل دفاع عن القبيلة، ولدي ولدى كل مواطن صالح الاستعداد التام للتخلي عن قبيلته متى ما كان الانتماء لها يتعارض مع الوطنية، ولكن من باب إحقاق الحق لم يكن الانتماء إلى القبيلة معول شرخ في جدار الوطنية، ولينظر كل من يزعم ذلك إلى كل الأحداث المؤلمة التي شهدتها المملكة خلال السنوات العشر الماضية وسيجد أن أبطالها من حملة الفكر الضال المتعصبين فكريا ومذهبيا ودينيا ممن رفضتهم القبيلة قبل الوطن.
إن تاريخ المجتمعات القبلية في المملكة ناصع البياض، فقد أسهمت القبيلة وبشكل كبير في دعم مؤسس البلاد في جمع شتاتها وتوحيدها عندما تكاتفت القبائل مع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وسجلت مواقف وطنية لا يزال يحتفظ بها ملوك البلاد إلى يومنا هذا، وها هم اليوم أبناء القبائل يعبرون عن وطنيتهم في كل موقف، ويتألمون عند كل حادثة إرهابية، ويتبرؤون من بعض أبنائهم العاقين الذين طعنوا الوطن في خاصرته، لأنهم يدركون أن الوطن أولا، والانتماء للقبيلة ليس إلا جزءا من الانتماء للأرض والمكان والهوية والوطن.
أما التعصب القبلي فهو غير مقبول إطلاقا، لكنه بكل مساوئه لا يقارن بمهددات الانتماء الوطني التي طرأت على المجتمعات أخيرا نتيجة الظروف الإقليمية، وأصبحت تنخر جسد الوحدة الوطنية.
دعونا ننظر إلى بعض دول الجوار التي تعاني من عدم الاستقرار، ونرى ما الذي أذكى نار الفتنة بين مواطنيها؟ عندها سنجد أن التعصب المذهبي والفكري هو سبب البلاء والفرقة والانقسام في كل المجتمعات.
إن ما تشهده مواقع التواصل اليوم من جدل يكشف لنا أن الخطر يكمن في التعصب المذهبي والتشدد الفكري والديني، وقد انقسم بعض المغردين الذين تسيرهم الانتماءات المذهبية والفكرية إلى أحزاب وجماعات بناء على أيديولوجياتهم المعلنة، حتى إن بعضهم بسذاجته يحشر أنفه في شؤون دول أخرى بناء على ما يحمله من أفكار وانتماءات غير وطنية.