أحزن لحالنا كلما مررت بوسم من هنا وتعليق من هناك يناقش قضايا مصبوغة بمنطق وعقلية في غالبها تزخر بالسطحية، وذلك عبر حروب وهمية وبسيوف مصنوعة من ورق تواجه خصوما لا وجود لهم إلا في خيال بعض المرضى، ممن توهموا أن كل من سواهم بقايا كفار قريش ومرتزقة جيوش الصليبيين! المحاولات الجادة التي يقوم بها بعض المفكرين المعنيين بالهم الاجتماعي الساعين للارتقاء بفكر الفرد والجماعة غالبا ما توجه لهم سهام التخوين فقط لأنهم أتوا بطرح جديد يتناول القضايا المهمة التي تمس بعضا من أوجه حياتنا، فعلى الرغم من أن كثيرا مما يطرحه هؤلاء لا يمكن اعتباره خروجا عن السياق العام المتبع إلا أن التأويل والتفسير المخالف لما يراه هؤلاء الإقصائيون يرونه خروجا يستحق التكفير أو التخوين كأضعف الإيمان!

ما بين الطرح السطحي لأغلبية المجتمع والطرح الجاد والعميق لقلة ممن يمتلك أدوات التفكير الممنهج والتحليل العلمي، فإن مجتمعنا للأسف سائر في مسار مخيف من التآكل الذاتي الذي سينتج لنا في نهاية المطاف مجتمعا غارقا في بحث المسائل الجانبية الهامشية، بعد أن يكون قد تخلص من كل مظاهر التنوير والبحث العقلي في مسائل المجتمع الجوهرية. كيف يمكن وصف نقاش مجتمع يتحول فيه البحث في ثنايا الموضوع إلى اتهام الناس في أعراضهم وأخلاقهم ودينهم؟! كيف يمكن لفكر الإقصاء الداعشي أن يجد مسمى آخر غير الفكر الداعشي! وكيف لا تجرم الجهات المعنية وتلاحق كل من تتصف توجهاته التغريدية بمحاربة البلاد والعباد وكل فكر وطني حر!

لقد اختلط الأمر في مجتمعنا فتوهمنا أننا قد أصبحنا أكثر وعيا في كيفية تفهم وتحليل معضلات وتحديات واقعنا، إلا أننا في حقيقة الأمر أصبحنا أكثر سذاجة وسطحية في فهمنا لكل ما حولنا، فكل مخالف هو عدو للدين، وكل مفكر متنور هو عدو للدين، وكل محلل اجتماعي هو عدو للدين، وكل ساع للإصلاح الإداري هو عدو للدين، وكل مواطن يقرر أن يعبر عن نقده وغضبه هو عدو للدين والدين منه براء! سهولة إيجاد توصيف المخالف بهذه الطريقة هي قمة السطحية الاجتماعية، ومحاربة أصحاب العقول جرم إنساني لا يمكن لنا إلا أن نحزن من أجله ونحذر منه.. أنقذوا عقول أبنائنا من السطحية كي لا يموت ما تبقى لمجتمعنا من عقل.