"إني أحبك عندما تبكينا

وأحب وجهك غائما وحزينا

بعض النساء وجوههن جميلة

وتصير أجمل.. عندما يبكينا"

نزار قباني

تهادت قطرات الماء إلى الأعلى لتغلق كل قسوة الجفاف الممتدة، وتداعت أمنياتها الحالمة بأن تسقي عطش الأرض لمائها النقي المحمل بوعد الحياة المزروع فيها!

كانت القطرات تتسابق لتنشد أغنية الغمام الأبيض الشجي. حتى تجمعت الغيمات في أول مدى سمح لها أن تتكثف فيه مبعدة حرارة أجبرتها الشمس على اختزانها بداخلها فتبدى بياضها الناصع ينشر ثقته في العبور والامتداد لكل فضاء يفتقر إلى البهجة. ككل الإناث بعد أن اجتمعن بدأن في تفقد جمالهن ثم انطلقن يتعرفن بسرعة ويتحاورن بسرعة أكبر حتى انتهت كل غيمة بحكاية!

مرّ يوم المرأة مثيرا للجدل، وكما هي عادة كل الأيام التي تكون الغيمة "المرأة" طرفا، هناك من يطالب بحقوقها وهناك من يؤكد أنها أخذتها وهناك مؤمن من آلها بالمزيد!

وتفتح الصحف فتجد أقوى مئة امرأة من سيدة أعمال لسيدة أقوال لسيدة تصدت للدفاع عن حق التسع والتسعين امرأة عداها!

ويبدأ الصباح عند "أبلة معجبة" من الساعة الثالثة فجرا على صوت سيارة النقل التي يضغط سائقها على منبهها براحته في الثالثة ليدرك بداية صباح القرية النائية عن الحياة، تصعد معجبة ابنة المدينة إلى السيارة باستسلامها الذي فقد الأمل بالنقل إلى مدينتها، وتشبث بأمل في الحياة أي حياة لا تختلط بقاياها بعجلات وحديد السيارة فيعجز أن تلتقطها السيارة أو يميزها أهلها، كما حدثت لرفيقات رحلة سابقات انتهت حياتهن يوم تغيبت معجبة وحضر الموت ولم يجدها!

بقيت تحتضن هذه الأمنية وطفلها النائم بوداعة، وتقرأ أذكار السفر بكل أمنيات العودة الآمنة التي وضعت معجبة على رأس أقوى مئة امرأة عربية.

الساعة الرابعة تصحو أم محمد تسابق الوقت والحياة وتبدأ في إعداد وصفاتها الساخنة والباردة، وتتذكر طلبات الزبائن التي دونتها أو علقت في بالها ولم تترجمها على الورق، وتتذكر أن موعد إيجار المسكن قد حلّ ولم يكتمل المبلغ بين يديها، مع مطالبات صاحب المسكن الذي لا يمهلها جشعه الذي جيرها إليه تخلي طليقها عن نفقة أبنائها وسكنهم، وفي خضم انشغالها يؤذن الفجر فتبلل أطرافها ورغبتها في ربح وفير إلى دعوات بالتوفيق لأبنائها الذين ترافق نداؤها الحنون لهم للصلاة والانطلاق إلى الحياة في يوم جديد.

مرت الساعات مثقلة بأعباء السعي الحثيث إلى الرزق الذي أصبح جزءا من طبيعة أم محمد لا تتخلى عنه، ولا يتخلى عنها إلا عندما تضع طاولتها العامرة بما لذ وطاب في طريق السائرين فيلقي أحد العابرين تعليقا مُرّا مثقلا بالسخرية أو التجريح، ولا تملك أمامه إلا أن تقول أترضاها لأمك؟!

وتستمر في شقائها وتنظر إلى الغد متناسية أجمل ماضيها وأشقى حاضرها وكأنها سمعت نزار قباني يقول: "وورائي التاريخ كوم رماد"!

في الساعة الخامسة تصحو "أبلة أمل" لتأخذ نصيبها من التعب اليومي حاملة طفلتها الصغيرة لبيت أمها المسنة، بعد أن هربت آخر خادمة دفعت مدخراتها لتحضر وتبقى، لكنها نالت الأول وخسرت الثاني قبل انتهاء فترة التجربة التي تمتد ثلاثة أشهر!

وضعت أمل الطفلة ونفحت خادمة والديها ابتسامة وكلمات مستجدية لرحمتها وانطلقت إلى المدرسة، وقبل أن تبدأ الحصة الثانية استمعت إلى حكايات المعلمات عن آخر خادمة قتلت ابن كفيلها فتطرد شبح الخوف الذي داخلها وتقول: لا أشك أن كفيلها أو أحد أفراد الأسرة أساء معاملة الخادمة، لكن زميلاتها يؤكدن أن الخادمة كانت ترغب في السفر بعد قدومها بأسابيع، ولما لم تحقق رغبتها انتقمت من الأسرة بقتل الولد!

وتأتي الموجهة لتحمل إلى أبلة أمل المزيد من الأعباء والشقاء وتؤكد لها أن التعليم رسالة، وأنها ستحاسب لو رفضت حتى الحصتين الأخيرتين اللتين تبقتا لتتم نصاب 24 حصة وستخضع لتحقيقات توصلها إلى الفصل من العمل حسب آخر تعاميم معمول بها في الوزارة!

امرأة أخرى أصبحت تمتلك هوية حافزية تلاحق التحديثات وتخشى الخصومات، ربما تكون فتاة تحقق بعض طلبات الحياة، وربما تكون امرأة تلاحق رضا زوج أو أخ أو أبناء، وتتحرك خياراتها بين أعمال متنوعة بحثا عما يناسبها من عمل تأخذ حافزة وتحمل أمنياتها من يوم إلى آخر.

منال، أخصائية اجتماعية تعمل في السجون تلتقي كل يوم بحكاية جرح أو خيبة أو حتى جريمة بطلتها امرأة وكل النساء عند منال يمثلن حالة خاصة تمضي وقتا وجهدا في درسها. وكما يحدث في كل سجون الدنيا تقابل الجبروت فيكون امرأة ملوثة بدماء ضحيتها، وتلتقي بضحية لجبروت وظلم رجل فتكون امرأة تنزف روحها قبل دمها.

المرأة في محيط منال تمثل صور المرأة مؤشرا للحياة بأقسى وجوهها، تخرج من الدوام وتلاحقها دموع السجينات وقسوة الحياة الاجتماعية التي دفعت بهن خلف الأسوار، وتحاول أن تتناسى ملامح القاتلات المنحوتة من الصخر، وحتى لا تسرق كل تلك المشاعر ما تبقى من نهارها تصالحت مع صديقاتها على نسيان تلك التفاصيل المؤلمة، وعلى أن يتلمسن الحياة الهادئة المطمئنة الممتعة التي يعيشها الأسوياء حتى يبدأ يومها الثاني على الأقل!

في يوم 8 مارس كان يوم المرأة الذي أثار الجدل بين امرأة عربية تشرح مفهوم الحرية لرجل عربي من بلد آخر، يخشى أن تكون الحرية مطلبا للانحلال.

مرّ هذا اليوم على نساء بملامح لوحتها الحياة بظلالها دون أن يعلمن شيئا عن مرور هذا اليوم ولن يعلمن عندما يعود في عام قادم!