قطف الثمر قبل ينعه سيكون حنضلا، واستعجال الميلاد قبل حينه سيكون خديجا مشوها. أشاهد في كثير من الأماكن كثيراً من الناس يسعى جاهدا إلى أن تولد نتائج أفكاره أو أعماله وترى النور بسرعة، يريد الأثر والتأثير بأسهل وأسرع ما يمكن، لا يهمه "كيف" بقدر ما يهتم لـ"متى". وهنا يقول أفلاطون: "لا تطلب سرعة العمل بل تجويده لأن من حولك لا يسألونك في كم فرغت منه، بل عن إتقانه وجودة صنعه"، عندما قدمت تلك المسنة التي قاربت عمر الثمانين سنة لتقدم رقصة السالسا الشهيرة في ثقافات أخرى استغربت لجنة التحكيم في البرنامج الإنجليزي للمواهب وقالوا بتعجب مسنة في هذا العمر مع هذا الشاب ماذا يمكن أن يقدما؟
وسئلت عن مدى احتمال فوزها في المسابقة فأجابت جوابا مدججا بالحكمة كعمرها قالت "سيكون ذلك رائعا طالما يستمتع الناس بما نقدمه ويدخل البهجة في قلوبهم"، وما إن بدأت برقصات تقديمية امتعض أحد لجنة الحكام وأعلن عن رغبته في توقف العرض، ولم يدر بخلده أنه أيقظ سنوات تمارين وخبرات سنين متراكمة بكبسة ذلك الزر المشؤوم. وما إن بدأت بالفقرة الأخرى حتى بدأ الجمهور والحكام بالانبهار والتصفيق مما مكنهم من تقديم عرض مبهر حقا الذي استحقا عليه تصويت الإجماع وقالت بكلام مضمن "أنا هنا اليوم بفعل تلك السنين وبفعل تلك الأيام التي مارست وتدربت فيها".
وقال شريكها في لفتة جميلة جدا ومناسب اختيار وقتها "إذا هي تستطيع فأنتم تستطيعون وأنت تستطيع لو أردت ذلك". نعم أقولها لا تستعجل ميلاد الأشياء، الأفكار، الكلمات والأعمال وحتى الخطط والأحلام. يوما ما عندما كنت أتمرن على إتقان مهارة فنية في إحدى هواياتي وبعد أيام تدريب ودراسة أتقنتها بفضل من الله قلت حينها: "الإتقان ليس وليد لحظة إنما يوم بعد يوم ونهوض بعد تعثر واستيقاظ بعد غفوة" ولنا في توماس أديسون أحد أكبر وأعظم المخترعين في التاريخ قدوة وعبرة، الذي كان من ضمن أكبر إنجازاته المصباح الكهربائي وصبره على تحقيق حلمه وعدم الانكفاء والاكتفاء بتجارب قليلة لا تحقق الهدف وإنما مرات عدة قدرت بمئات وقيل آلاف المرات من المحاولات وهذا كله إنما هو فترة حمل للمصباح ليأتي أخيرا وليدا ناضجا يكاد أن يكون داخل كل منزل حول العالم.
والياباني سيكيرو هوندا صاحب أسطول شركات هوندا للسيارات الذي تدمر مصنعه إبان الحرب العالمية مرة بعد مرة بعد مرة، إلا أنه لم يستسلم، عاود جاهدا صابرا كل ذلك لتولد كبرى الشركات اليابانية العالمية هوندا. كل ذلك وأكثر مثال ورؤية وروية. نرى أن تخمير العود كلما كان أطول عمرا وسنينا كان أعلى جودة وأغلى ثمنا، كذلك الأفكار اختمارها ومناقشتها ووزنها وعرضها وطرحها وتطويرها أراه واجبا قبل أن تُطرح لترى النور.
رسالة: أفكارنا، أعمالنا، آمالنا، أحلامنا، خططنا وتعلمينا، يوما كانت في العدم ستتدرج لتخرج للنور، وستمضي رحلة النمو فيها لتكون كنجمة مرصعة وكشمس في كبد السماء، وسينهل من معينها نحنُ ومن حولنا.
أخيرا، تأكد أنك في الطريق الصحيح استعن بالله ولا تعجز واعمل جاهدا ولا تتوانى أو تتهاون لتسرُك الثمار ولترضى بالنتائج.