الأعراف الدبلوماسية والمواثيق الدولية تقتضي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة ذات السيادة وعدم الجرأة على مناقشة قضاياها الداخلية ومحاولة التأثير فيها تحت أي ذريعة أو سبب وحجة.

المملكة دولة فاعلة ومهمة وذات تأثير عالمي وترتبط بعلاقات قوية ومتينة مع الأقطاب العالمية الكبرى بدليل أنها إحدى الدول العشرين الأعضاء ممن يديرون الاقتصادي العالمي ويرسمون سياساته بحكم الغنى بالموارد الهائلة المختلفة. السياسة الحكيمة للخارجية السعودية التي يرسم توجهاتها الأمير سعود الفيصل تنأى بنفسها دائما عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتحترم سيادة الدول وتحرص على ذلك، وبالطبع تنتظر بالمقابل من الدول الأخرى، خاصة تلك التي نصنفها بالصديقة مثل مملكة السويد أن يكون تعاملها بالمثل. لم نتدخل في القضايا الداخلية لمملكة السويد ولم تعمل السياسة السعودية في يوم من الأيام على إثارة المشكلات والقلاقل الداخلية لأي من الدول الأعضاء للاتحاد الأوروبي.

أزعجني كغيري من الإعلاميين التصريح المستفز لوزيرة الخارجية السويدية، وهي تتحدث عن قضايا داخلية سعودية وتظهر على شاشات الإعلام كلماتها في مشهد بائس وهي تحاول وصف المملكة بدولة لا تحترم حقوق الإنسان. الحقيقة أن السعودية ليست بحاجة إلى محاضرات سياسية رخيصة من معالي الوزيرة التي برأيي خرجت عن الذوق العام رغم أن منصبها الدبلوماسي الكبير يفترض ألا ينزلق صاحبه إلى هذا المستوى الهابط الذي يتدخل في الشأن الداخلي للدول المستقلة الأعضاء في الأمم المتحدة. ربما يكون الخطاب التقريعي والمتشنج أحيانا مقبولا، بل وربما مطلوبا في أحايين كثيرة من فعاليات المجتمع المدني والإعلام الوطني تجاه تلك الهجمات الدبلوماسية - غير المفهومة الأسباب - كتصريح عزيزتنا السويدية في ظل هذه الظروف المضطربة إقليميا. نريد أن نستعرض هنا بعض الأدلة على أن ما جاء في تصريحاتها الرسمية غير مقبول ولا يمكن أن يكون أسلوبا دبلوماسيا ناجحا، فهل يعقل أن تكون الرسائل السياسية بهذه الجرأة على شكل تعليمات تعطى من وزيرة خارجية دولة صديقة هي السويد للحكومة السعودية، وأن على الحكومة السعودية أن تفعل هذا الأمر أو لا تفعله في تلك القضية الداخلية. الحقيقة أن هذا الخروج العجيب على العرف الدبلوماسي اضطر الحكومة السعودية أن تستدعي سفيرها في ستوكهولم إلى الرياض للتشاور. ربما تكون اللغة الدبلوماسية التي تتحدث بها الخارجية السعودية ليست ملزمة لنا كإعلاميين، فنحن لا نمثل وجهة النظر الرسمية، بل وجهات نظر عديد من شرائح المجتمع ونتحدث بلغة تفهمها وزيرة الخارجية السويدية.

النخب الثقافية والأدبية كما السياسية مستاءة جدا من تلك التصريحات التي تصفها أطياف المجتمعي السعودي بالمستفزة، وتعتبر تصرفا غير مهذب وغير مقبول فضلا عن كونه غير مبرر. الزميلة أميرة المولد قامت بإعادة لتغريدة كنت قد كتبتها أمس حول هذا الموضوع وهو مطالبة وزارة الخارجية كمواطن سعودي بطرد سفير دولة أوروبية يتدخل في القضايا الداخلية. أعتقد أنه من الأفضل استغلال هذا الحدث لنرسل كإعلام سعودي رسالة واضحة لحكومة مملكة السويد أننا ربما لا نستغرب من افتراءات بعض منظمات حقوق الإنسان الأوروبية والأميركية المؤدلجة، خاصة الصهيونية منها لأننا نعرف أنهم أعداء، لكننا نستغرب تصريح تلك المسؤولة الرفيعة المستوى التي تشكك في تعاليم ديننا الحنيف من خلال اتهام السعودية بعدم تطبيق حقوق الإنسان، وتلك تهمة خطيرة تضمنها ثنايا خطاب تلك المرأة، وهي تعلم جيدا أن حقوق الإنسان مكفولة من خلال تطبيق حكومة المملكة للإسلام الذي كفلت دساتيره الداخلية وتنظيماته التي جاء بها القرآن أعظم وأبرز ما جاء في كتب حقوق الإنسان في جهد منظومات العقل البشري من خلال العصف الذهني. تجاه تلك الحقائق أجدني وككاتب رأي يعتقد أنه يشارك في صناعة الرأي العام المحلي، ويشارك في توجيهه أدعو زملائي الإعلاميين من مقدمي البرامج المميزين السعوديين وغير السعوديين وكتاب الرأي إلى أن يناقشوا هذا الموضوع كي يكون درسا لمن لا يعرف أصول اللياقة الدبلوماسية، فقد كان بإمكان الخارجية السويدية تمرير رسالة مملكة السويد إلى الأمير سعود الفيصل مباشرة وبلباقة وليس على وسائل الإعلام بشكل أوامر تلقيها تلك الوزيرة من غرب أوروبا بتحدٍّ سافر للأعراف الدبلوماسية. يقول أجدادنا البدو: "من طق الباب لقى الجواب"، لذا وكإعلامي وكاتب رأي سعودي لن أحضر أية دعوة توجه إليّ لحضور أي محفل يخص الحكومة السويدية بالرياض إلا بعد اعتذار رسمي من السيدة وزيرة الخارجية التي ربما لم تتصور ما الذي يمكن أن تفعله الرياض للتعبير عن استيائها على المستوى الرسمي والشعبي. كثير من أصدقائي الدبلوماسيين والمثقفين والأكاديميين الأوروبيين الذين التقيت بهم في الرياض كان تصريح الوزيرة مدار حديثنا لساعات، وأجمع الأغلبية على أن ما تضمنه حديثها غير لائق وربما يؤثر في مستقبل العلاقات السعودية السويدية. رأيي أن تصريحا آخر أكثر لطفا يتضمن الاعتذار للسعودية حكومة وشعبا عن التدخل السافر المستفز في الشأن السعودي سيعالج الموقف. لا يروقنا كسعوديين التدخل في شؤوننا، فنحن أعلم بكيفية معالجة قضايانا الداخلية. أهل مكة أدرى بشعابها، وأدرى بحل إشكالاتها، ولكن كسعوديين وليس عبر بوابة وزارة خارجية السويد. ولأنها قضية داخلية نقول إن المحاكم السعودية التي نثق بها وكذا جميع المؤسسات العدلية الوطنية كفيلة بصيانة حقوق الإنسان، فما يحدث على الأراضي السعودية هو شأن سعودي خاص وداخلي لا يحق لأي مسؤول أجنبي الخوض فيه، فضلا عن وزيرة خارجية لدولة للأسف تنتمي للاتحاد الأوروبي وعالم ومنطقة اليورو التي نرتبط بعلاقات استراتيجية ومميزة معها.

ربما يرى البعض أن الأمر لا يستدعي أكثر من مجرد استدعاء سفيرنا من مملكة السويد للتشاور، وإنني ربما أكون قد شططت برأيي بالمطالبة بمغادرة سفيرهم الأراضي السعودية كخطوة احتجاجية يتلوها اعتذار عن التدخل وعودة العلاقات لطبيعتها ومزيد من التشاور. نأمل أن نسمع ونقرأ اعتذارا من حكومة السويد عبر لسان الوزيرة ذاتها عن تجاوز اللباقة الدبلوماسية. لا يحق لأي مسؤول أجنبي التدخل في القضايا الداخلية تحت أي مبرر أو حجة، ونحن كنخب ثقافية وإعلامية نعتبر خطوة استدعاء سفيرنا في ستوكهولم موفقة جدا، وتحظى بدعم شعبي وهي رسالة احتجاج أرسلها الوزير الناجح سعود الفيصل -حفظه الله ورعاه- معبرة عن التوجهات الوطنية الثابتة برفض تدخل أية دولة أجنبية بهذا الشكل المستفز. في نهاية مقالي أتمنى لوزير الخارجية السعودي الصحة والعافية بعد العملية الجراحية الناجحة التي أجريت له مؤخرا.