تخطى مخرجون سعوديون شباب عقبات غياب دور العرض والمعاهد والأكاديميات المتخصصة التي يمكن أن تزودهم بالأساسيات ومناهج صناعة الأفلام، ومواقع أفلام أطلوا عبرها من نوافذ مهرجان الأفلام السعودية الذي اختتم الأسبوع الماضي دورته الثانية تحت شعار "في لمح البصر".
وأثبت هؤلاء المخرجون أنهم ينفخون السحر في اللقطة، ويملؤهم شغف التجريب وتفاصيل الأمكنة ومزجها بالزمن والأثر في تجاعيد بيت أو صدى موال وموجة أو حكايا الجدات، واقتناص التفاصيل في شارع أو ملامح، والتسلل من خلف كواليس على مكامن جديرة بالحياة.
وعن تجربته يقول المخرج يعقوب المرزوق الذي بدأ مشواره في صناعة الأفلام منذ عام 2005 مصورا فوتوجرافيا وكاتبا وممثلا أن الانتشار الواسع لأول تجربة فلمية كان نقطة مفصلية في تثبيت أقدامه كمخرج مستقل في إنتاج أعمال أكثر حرفية، فكان فيلمه الكوميدي القصير "بحلم بيك" الذي تم تصوير مشاهد منه في أوروبا، وهو يعمل حاليا على فيلمي (نفسي أطير) و(خردة) بعد التحاقه بورش عمل لكتابة السيناريو.
ويرفض المرزوق فكرة الاكتفاء بعرض الأفلام عبر مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، فمن غير المقبول برأيه صنع فيلم سينمائي ليشاهد من شاشة جهاز نقال.
ويطمح أحد أصغر المخرجين المشاركين في المهرجان محمد الهليل لصناعة فيلم يرفع شأن الفن السعودي.
ولم يكتف المخرج السعودي الشاب المهند الكدم بارتجال التجريب والهواية، بل ذهب نحو دراسة الإخراج والتصوير السينمائي أكاديميا في مدرسة فانكوفر للإنتاج السينمائي في كندا، وتتجلى معرفته اللغة البصرية العالية والالتقاطات الإخراجية المتقنة في فيلمه (بصيرة).
ويتذكر مهند أول كاميرا اشتراها عام 1999 وبدايته على استحياء، إذ أخرج أول أفلامه (الخروج من البيضة) الذي شارك بمسابقة الشاشة لك وحقق جائزة لجنة التحكيم، ثم تحقيقه المركز الثاني عالميا بين 340 دولة مشاركة في مسابقة شركة مايكروسوفت.
وحول أفلام المهرجان يقول المهند "غلب عليها طابع واحد هو الاهتمام البصري اللافت جدا، لكن مستوى الفكرة والقصة والأداء بسيط جدا".
وهو يرى أن أفلام مواقع التواصل الاجتماعي تصنف ضمن الأعمال التي تعطي حلولا للمشكلات وتعالج قضايا يومية اجتماعية تنتهي بزوال القضية، بينما الفلم السينمائي يهدف إلى تخليد تاريخ أو صياغة رؤية مستقبلية.
وحول غياب دور العرض يقول "قبل المطالبة بالدور والصالات علينا الاهتمام بالمحتوى عبر فتح نوافذ لتدريس الإخراج والصورة، وتفعيل دور وزارة الثقافة في وضع لوائح تدعم المشتغلين بالسينما وتحفظ حقوقهم".
من جهته، عبر بدر الحمود أحد المخرجين الشباب الأبرز في صناعة الأفلام السعودية عن امتنانه لمشاركته في المهرجان بفيلم "سكراب"، ويرى أن الأفلام المشاركة مستواها عال جدا، وأن اليوتيوب منصة عرض يضطر لها البعض لغياب السينما.
من جهته، أبدى المخرج مهنا المهنا ابتهاجه بمنصة المهرجان التي تعد من أهم منصات العرض في الأوساط السعودية، وقال "هناك قفزة ملحوظة وتطور في صناعة الصورة والصوت والسيناريو مقارنة بالدورة الأولى عام 2008".
بدوره، قال المخرج محمد أسامة المصري: "شعور عظيم أن تشاهد أفلامك تعرض في وطنك"، مشيرا إلى أن بدايات تجربته في صناعة الأفلام من المرحلة المتوسطة بشكل بسيط وبدايته الجادة عام 2009 تجلت بإخراجه فيلم "وجوه"، واعتمد على ذاته في التثقيف سينمائيا من خلال الاحتكاك بخبرات في صناعة الأفلام.
ورأى مخرج فيلم "باص 123" حسين المطلق الذي عرض فيلمه سابقا في مهرجان دبي السينمائي أن "المهرجان فرصة حقيقية لاكتساب المعرفة في مجال السينما".
يذكر أن المهرجان شهد مفارقات لافتة تجلت بتشعب المواهب والأدوار للمخرجين الذي مارسوا أيضا كتابة السيناريو والتمثيل والإنتاج مثل عبدالله أحمد مخرج فيلم "نص دجاجة"، إذ ظهر ممثلا في فيلم "جناح الضيافة"، و"ثلاث عرائس" و"طائرة ورقية".