سيطر الملف الإيراني على المحادثات الخليجية الأميركية التي عقدت يوم الخميس الماضي (5 مارس) في الرياض، وعلى المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد الاجتماع وزيرا الخارجية السعودي والأميركي. وفي حين كان تركيز الجانب الأميركي على الملف النووي ومحاولة كسب التأييد للاتفاق الذي تجري مناقشته، عبر الأمير سعود الفيصل عن قلق المنطقة من التصرفات الإيرانية في الملفات الأخرى، خاصة تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية.

ومصدر القلق هو أن النشاط الإيراني في المنطقة ازداد مع ازدياد وتيرة المفاوضات النووية، مما ينذر بخطر أكبر بعد إبرام الاتفاق وتخفيف أو إلغاء العقوبات المفروضة عليها.

وقال الفيصل إن السعودية – كبقية أعضاء المجتمع الدولي – تأمل في نجاح المفاوضات بما يحول دون امتلاك إيران السلاح النووي، ولكن ذلك على أهميته يجب ألا يتم على حساب نسيان جميع الملفات الأخرى التي تتعلق بإيران. فالسعودية ودول المنطقة قلقة "بنفس القدر حول طبيعة أعمال وميول إيران في المنطقة التي تعد من أهم عناصر زرع عدم الاستقرار في المنطقة"، مشيرا على وجه التحديد إلى تدخلات إيران في سورية، ولبنان، واليمن، والعراق. وقال إن إيران يجب أن تغير أسلوبها في التعامل مع قضايا المنطقة "إذا ما أرادت أن تكون جزءا من الحل في المنطقة لا جزءا من المشكلة".

وفيما يتعلق بالعراق ومشاركة إيران ممثلة في قائد سرايا القدس قاسم سليماني جنبا إلى جنب مع القوات والميليشيات العراقية، قال الفيصل "إن الوضع في تكريت يعد مثالا جيدا على ما يقلق المملكة، حيث تسيطر إيران على جميع البلاد، وعملية السلم والحرب أصبحت الآن في يد إيران، وهو ما يخلق حالة من عدم الاستقرار ويعزز الطائفية والفرقة في العراق التي لم تكن قائمة من قبل".

دافع كيري عن الموقف الأميركي قائلا إنه على الرغم من المفاوضات النووية مع إيران فإن الولايات المتحدة ما زالت "تراقب" التدخلات الإيرانية التي "تزعزع الاستقرار في سورية ولبنان والعراق والجزيرة العربية، خاصة اليمن". مضيفا: "إن أميركا لا تسعى إلى عقد صفقة كبرى مع إيران، فلن يتغير شيء بعد إبرام الاتفاق النووي – إن تم إبرامه فعلا – في أي من القضايا والتحديات التي تواجهنا في المنطقة، عدا ما يخص البرنامج النووي نفسه".

ففي العراق كانت إيران في الماضي تحاول إخفاء دورها العسكري والسياسي اللذين أديا إلى زرع الفتنة الطائفية في العراق، ولكنها أصبحت أكثر وضوحا الآن. ففي المعارك الدائرة لاستعادة تكريت من سيطرة داعش، وفيما أكدت الحكومة العراقية أن المعارك تدار من قبل العراقيين، تظهر وسائل الإعلام الإيرانية غير ذلك.

أما الجنرال ديمبسي، رئيس الأركان المشتركة الأميركية، فقد قال في شهادته أمام مجلس الشيوخ الثلاثاء الماضي إن مساعدة إيران للميليشيات الشيعية في العراق ليست أمرا جديدا، بل تعود لعام 2004 على الأقل. ولكن الجديد الآن هو أن التدخل الإيراني أصبح أمرا مكشوفا في معارك تكريت. وفي حين قال المسؤولون العراقيون إن عدد القوات المشاركة في تلك المعارك قد بلغ ثلاثين ألفا، قدّر ديمبسي في شهادته أمام الكونجرس أن نحو الثلثين منهم هم "ميليشيات شيعية قواعدها في إيران وتتلقى أسلحتها منها". 

وربما كان ديمبسي يعكس التفكير الأميركي هذه الأيام حين قال إن مشاركة إيران في تلك المعارك "قد تكون إيجابية" من الناحية العسكرية، ولكنه حذر من تأثيرها في العلاقات بين الطوائف الدينية في العراق، وطالب الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات فعالة لتفادي تفاقم الأوضاع الطائفية.

وبالمثل أصبح دور إيران أكثر وضوحا في سورية سواء منه المباشر عن طريق القوات شبه النظامية (الحرس الثوري والباسيج) وغير المباشرة (عن طريق حزب الله والميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان وغيرهما)، ولم تعد وسائل الأعلام الإيرانية تتردد في نشر أخبار مشاركة الضباط والجنود والمتطوعين الإيرانيين في المعارك. وفي الأسبوع الماضي تباهى مستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين همداني، بأن "القادة العسكريين الإيرانيين قد حرروا 85% من الأراضي السورية التي وقعت سابقا بيد المعارضة، في وقت حتى الأسد كان قد تقبل الهزيمة". وقال إن الحرس الثوري الإيراني قد نجح في تكوين 42 لواء و138 كتيبة -من جنسيات مختلفة- تقاتل في سورية لصالح الأسد، واعتبر همداني إنشاء الباسيج في سورية من أهم إنجازات إيران خلال الأعوام الماضية، قائلا إنه "بعد لبنان وسورية فإن الباسيج بدأ يتكون ويتنظم في العراق أيضا".

وبالمقابل، وعلى الرغم من الوعود والتطمينات الأميركية، لم يتم تحقيق تقدم يذكر في تسليح وتدريب المعارضة المعتدلة.

هناك إذن فرق بين ما تقوله الولايات المتحدة وما تفعله على أرض الواقع. وللتوفيق بينهما، يمكن قبول تأكيد كيري بأن الولايات المتحدة ما زالت "تراقب" التصرفات الإيرانية في المنطقة كما كانت تفعل من قبل، وأن ذلك لن يتغير، ولكن ذلك لا يعني أن ردود الفعل الأميركية تجاهها ما زالت تتناسب مع حجم التصعيد الإيراني.

وعلى وجه الخصوص، ليس هناك ما يدل على أن الولايات المتحدة تمارس ضغطا كافيا على إيران للتقليل من تدخلاتها في المنطقة، مما يجعلنا نتساءل: إذا كانت إيران لم تعدل من مواقفها وهي تحت طائلة العقوبات الدولية والأميركية والأوروبية، وهي تسعى إلى تحسين صورتها أمام العالم لإبرام الصفقة النووية، فكيف نتوقع أن تكون تصرفات إيران بعد إبرام الاتفاق ورفع أو تخفيف العقوبات؟