لا أدري كيف يسمح الأخ علي الموسى لنفسه باستخدام هذه المصطلحات والمفردات التي تعكس أزمة المثقف والأكاديمي والمحتسب في وطننا، والدكتور علي الموسى لا يزال عضو هيئة تدريس بجامعة الملك خالد، فهل زملاؤه في الجامعة مثلاً يستحقون وصف بيئتهم بالحظيرة؟ ثم ماذا عن طلاب هؤلاء الكائنات الحية؟ ماذا يمكن أن يطلق عليهم الأخ علي من مفردات تعدت حدود الذوق الاجتماعي، وهذه العبارات أكثر تطرفا من عبارات خصومه من المحتسبين الذين تلاحقهم الملامة والاشمئزاز من تصرفاتهم ضد المجتمع، إن الصحافة والإعلام بكل وسائلهما جزء مكمل من أدوات بناء المجتمع، وتشكيل الوعي والرأي العام، وهي تعكس ثقافته وقيمه وأخلاقه، فهل أصبحت المفردة تطلق بدون عنان؟ هذه مفردات قاسية جدا تصدر من أكاديمي وصحفي مشهور يعد قدوة عند ملايين المتابعين له في عرض البلاد وطولها، هذه المفردات تعكس مستوى المثقف وتدل على محيطه ومجتمعه، ونحن نحمل كل تقدير للزميل الذي سخر قلمه للدفاع عن الكثير من القضايا الاجتماعية والعربية والوطنية، وقدم أنموذجا رائعا في بعض مراحل عمله. ولكن ليس هذا ما نود سماعه من الدكتور علي الموسى من أحكام جائرة على أساتذة أفاضل ربما يكون في بعضهم الخلل ليس لأنهم بغال أو حمير نتيجة حصولهم على شهادات الدكتوراه، ولكن لأن نظامنا التعليمي غير مؤهل لاستغلال تلك الكوادر الرفيعة وتحويلها إلى طاقات بحثية إنتاجية، بدلا من الترهل والضعف الذي ضرب هذه المؤسسات العلمية في عمقها. أنت تعلم أن الجامعات تركز جل وقتها في الخارج ليس على التدريس فقط كما نعمل في جامعاتنا، ولكنها تقوم على البحث العلمي الجاد الذي يعد رافدا للتنمية والتطور والتقدم في الدول في جميع تخصصاتها. وأنت أكثر من يعلم ما الفرق بين جامعتك التي تخرجت منها في أميركا أو بريطانيا، وبين الجامعة التي تعمل فيها. الفرق هو أن هذه الجامعات في مجتمعات ديموقراطية صناعية رأسمالية منتجة استثمارية يعد الفرد جزءا من أدوات الاستثمار فيها بصفته رأسمالا بشريا، وهو العمود الفقري في جميع نجاحاتها وتقدمها وحروبها وسلمها. نعم جامعاتنا تشبهنا نحن، لأننا نريدها أن تكون كذلك، جامعاتنا ضمان اجتماعي للطالب والأستاذ مثل غيرها من مؤسسات الوطن، وبمقدورها أن تكون قارب النجاة ومصدر الإنتاج والابتكار والتغيير للأحسن مثل غيرنا من أمم الدنيا.
ولهذا لا يمكن أن نصب جام غضبنا على الشهادة من باب أنها للبغال والحمير. هناك أغلبية من العلماء والباحثين، وطاقات وطنية هائلة، لو فتحت لها المعامل والمخابر ووجهت وفق سياسة صارمة لأنتجت الكثير من الابتكارات، ولأحدثت العديد من التحولات النوعية في حياة البشر، ولكن لا يلام هؤلاء على شهاداتهم التي حصلوا عليها من أهم الجامعات في العالم والتي أظن أنها أيضا جامعات محترمة لا تنتج لا البغال ولا الحمير كما نعلم. إلا إذا كانت فتواك في الشهادات وفي أساتذة الجامعات بأنها للبغال والحمير، وأقول فتواك لأنها شبيهة بالفتاوى التي أضحكت العالم علينا في الكثير من الموضوعات التي لا يجوز لأحد أن يفتي بها في هذا العصر حتى وإن صحت في زمن غير زمننا هذا، لأنها ستكون بمثابة طعن في الدين، مثل ما فتواك طعن في الأساتذة والطلاب والجامعات في الوطن وفي العالم المتقدم الذي تخرجنا من جامعاته.
أنا لا أدافع هنا عن الشهادات المزورة التي تمنح زورا أو تمنع زورا، وأنا من أكثر الناس انتقادا لمنح هذه الشهادات حتى تحولت إلى سوق في جامعاتنا، خاصة التعليم الموازي الذي سوف يجلب للوطن الويلات الكثيرة. ولكنني أدافع عن القيم الاجتماعية والوطنية والأكاديمية والإعلامية، نحن نطالب بالارتقاء بمستوى مفرداتنا ومصطلحاتنا التي تعكس ما يجول في عقولنا وقلوبنا. نحن نلوم الإنسان القدوة عندما نراه يخرج عن المكان الراقي الذي وضعه لنفسه ووضعناه فيه، ونحن لا نسمح للقدوة بالخروج عن القيم والمبادئ والمثل العليا التي نتوقعها منه. قد يشعر الإنسان بخيبة الأمل نتيجة التوقعات العالية بحدوث إنجازات وتغيرات أفضل لصالح مجتمعاتنا في الوقت الذي يتطور فيه العالم ونحن نستهلك، وبقدر ما كنت أتمنى من الأخ العزيز الدكتور علي الموسى أن يبارك للزميل العزيز الدكتور أحمد التيهاني ويشد على يده، وهو ليس بغريب على الحياة الأكاديمية، ويحدثنا عن المثالب والخلل في التعليم العالي الذي صفق له زميلنا العزيز مرارا في بعض المقالات التي كانت تتعلق ببعض الجامعات وبعض الأشخاص الذين يتسنمونها، خاصة تقييم الجامعات الذي باركه الكثير من الكتاب ثم عادوا بعد أن انكشفت لهم حقائق التقارير الدولية.
لا أزال عند موقفي الذي أطالب فيه بتقارير سنوية وطنية عن التعليم في بلادنا، وأيضا عقد مؤتمرات لمناقشة التعليم كل التعليم في وطننا، بالإضافة إلى المعارض كما يحصل الآن. نريد مؤتمرات لتشريح الواقع ومناقشة قضايا التعليم على المستويات كافة. كما أطالب بإعادة النظر في سياسة التعليم التي فقدت الجانب النوعي على حساب الجانب الكمي، وأدعو زميلي الدكتور علي الموسى إلى أن يعيد النظر في مقاله السابق وأن يقدم الاعتذار لأكثر من ستين ألف أكاديمي في جامعاتنا السعودية، كما أطالبه بالاعتذار عن المفردات التي لا تليق به ولا بجامعته ومجتمعه الذي ينتمي إليه، وهو يعلم أن هذه المفردات من المحرمات، حتى في العرف القبلي فهل يقبل أخي العزيز عتبي باسم الأساتذة وملايين الطلاب في جامعتنا ومدارسنا. التهاني للدكتور أحمد التيهاني، والدعاء للزميل الدكتور علي الموسى بالتوفيق في الاعتذار، وكل عام ومجتمعنا ووطننا وأساتذتنا وطلابنا بألف خير.