لقد أثبتت أزمة الديون السيادية اليونانية أن الأزمة المالية العالمية ما زالت بعيدة جدا عن النهاية السعيدة. فعودة الاقتصادات الصناعية الكبيرة إلى النمو مازالت هشة ومعرضة للسقوط أسيرة لأي أزمة، كأزمة ديون اليونان. فالأزمة المالية العالمية، وإن كانت في أساسها أزمة استنزاف المديونية إلى حد المقامرة، إلا أنها تأخذ أشكالا متعددة ومتغيرة تؤثر على أجزاء مختلفة من الاقتصاد.

أولى بشائر خروج العالم من الأزمة المالية العالمية كانت عودة تكاليف الاقتراض مابين المصارف إلى مستوياتها الطبيعية. وتطلبت إعادة الثقة للمصارف ببعضها البعض دعما حكوميا مباشرا وضخما، ترددت حكومات الدول الصناعية الكبرى كثيرا قبل الإقدام عليه. ولذلك فقد أنقذ التدخل الحكومي النظام المصرفي العالمي من الانهيار، إلا أنه لم يتمكن من إنقاذ الاقتصاد الكلي. فقد كانت العدوى قد انتقلت بالفعل إلى أجزاء الاقتصاد المنتجة، وبالأخص الصناعية منها، ما دفع العالم إلى الكساد.

الكثير من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية تدعو للتفاؤل في أن مرحلة الكساد قد انتهت. فعلى سبيل المثال، نجد أن الإنتاج الصناعي عاد للنمو مرة أخرى، ما ساهم في زيادة الطلب على المواد الخام الصناعية. ونجد أن هذا النمو في القطاعات الصناعية يساعد في ضح المزيد من الأموال في الاقتصاد، وبالأخص في جيوب الأفراد، ما دفع المستهلكين للعودة إلى الشراء مرة أخرى. بالإضافة إلى الانخفاضات المتباينة في أعداد العاطلين وإعانات البطالة. ولكن هذا كله لا يعني وصول الاقتصاد العالمي لتعاف تام من آثار الأزمة.

اليوم نشهد تراجعات حادة في سعر صرف اليورو أمام الدولار، بسبب المخاوف من اتساع رقعة أزمة ديون اليونان إلى دول أخرى أعضاء في العملة الأوروبية الموحدة مثل إسبانيا والبرتغال وإيرلندا وإيطاليا. في هذه الدول تأخذ أزمة الائتمان العالمية شكلا مختلفا عن الكساد. فقد اعتادت هذه الدول على تمويل عجوزات ميزانيتها بالديون، ومن ثم إعادة تمويل الديون القديمة بأخرى جديدة. ولكن ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع مخاطر التخلف عن السداد لليونان سيجعلان من إعادة التمويل أكثر تكلفة وصعوبة. عدا أن الإجراءات التقشفية التي تتخذها هذه الدول للحد من العجز قد تضغط على النمو والسيولة.

على الجانب الآخر، نجد أن الاقتصاد الأمريكي متخوف من آثار ارتفاع الدولار أمام اليورو. فعجلة الاقتصاد للتو بدأت بالتحرك نحو خلق المزيد من الوظائف، مدعومة من رخص المنتجات الأمريكية بسبب ضعف الدولار. بالإضافة إلى أن الاقتصاد الأمريكي ليس في مأمن من أزمة هيكلية كالأزمة اليونانية، فالدين العام الأمريكي يصل تقريبا إلى 80% من إجمالي الاقتصاد. وفي حال اضطرار الدولار إلى رفع الفائدة لكبح التضخم، فإن تكلفة تمويل هذا الدين ستتضاعف وستصل إلى ما يفوق 12% من إجمالي الناتج المحلي.