في الثمانينات من القرن الميلادي الماضي استشعر الإنجليز خطر المخدرات، وباتوا يعانون من انتشارها السريع بين الشباب من الجنسين، بل ارتفعت حدة الأزمة ليتجاوز الأمر إلى أن هناك تهديدا واضحا للشعب الإنجليزي من جراء أن هذه الآفة قد أفضت إلى الجريمة، وبالتالي أصبح المجتمع كله يعاني.
لم تكن مؤسسات الإنجليز بمنأى عن هذا الخطر الماثل، الذي كان يهدد أوروبا كلها بل إنه بلغ سطوته واختراقه لشخصيات اجتماعية كبرى كما فعل مع مارادونا خلال الفترة نفسها.
لذا بحثوا عن أفضل السبل لوأده، أو على الأقل إيقاف تناميه، ليعمد الإنجليز إلى البحث عن كيفية استمالة الشباب إلى منافع مجتمعية تبعدهم ولو بنسب مقبولة عن المخدرات، وكان من بين ما وجدوه نافعا ومفيدا بعد الدراسات والبحوث ذلك الشغف الإنجليزي الكبير بكرة القدم ليعملوا فورا على وضع خطط للارتقاء بكرة القدم التنافسية لتشغل كثيرا من الشباب من خلال مؤازرتها وتتبع أخبارها عوضا عن المخدرات، لتواكب الدولة الأمر لتدعم فتح الاستثمارات لتطوير الفرق فارتفعت أسهم الآرسنال ومانشستر يونايتد وتشيلسي لينضموا إلى البطل ليفربول في عمليات التفوق أوروبيا ومحليا، اتسعت المنافسة وقويت وزاد الشغف أكثر بها وأصبح الشباب يتوجهون أكثر إلى ملاعب الكرة التي أخذت من وقت فراغهم كثيرا، وبما أبعدهم عن المخدرات، ناهيك عن أنهم وجدوا فيها متسعا لمعرفة الأخطار والأضرار لتلك الآفة، من خلال رسائل غير مباشرة تحضر مع أحاديث التنافس وفصول كرة القدم.
تلك التوطئة أعلاه نسوقها ونحن نقرأ بكثير من الفخر عن التوجهات الراقية التي تستخدمها اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات عبر أمانتها العامة والمشروع الضخم التي هي بصدده لمكافحة المخدرات من خلال الوصول إلى الشباب ودفعهم بطريقة غير مباشرة بعيدا عن المخدرات وأضرارها بتوعيتهم، ناهيك عن الاستفادة من المناشط الكبرى التي يأتي في مقدمتها كرة القدم، وتحديدا عبر المنافسات المحلية والخارجية التي تحظى بشغف شبابي كبير.
كرة القدم هي إحدى التوجهات التي رأت اللجنة الوطنية دورها الفاعل بجذب الشباب إلى التخلي عن كل ما هو ضار، لتصنع عبر اتفاق تاريخي مع رابطة دوري المحترفين منهجا راقيا سيؤتي ثماره بإذن الله للعمل على كل ما من شأنه دعم الشباب ومساعدتهم للابتعاد عن كل ما هو ضار لهم ولمجتمعهم.
جميل القول في الاتفاق الرائع أنه يخص شريحة الشباب من حيث إنه يدعم توجهاتهم ويجعل منهم شركاء للوقوف أمام هذا الخطر، وبلا شك أن الخطاب التوعوي الجديد بجعل الآخرين شركاء في التوعية هو نتاج سنين من العمل والخبرة التي أحسنت مديرية المخدرات صنعا باستخدامه.
ما أعجبنا أكثر في ذلك الاتفاق أن مجتمعاتنا باتت أكثر قدرة على قراءة التحديات وتفسيرها ووضع الحلول لها، والأهم تعاونها في ذلك، وهو ما لمسته شخصيا من البعد المفيد في ذهاب التوعية ونشر الوقاية إلى ملاعب كرة القدم، وأحسب أن ذلك انطلق من إدراك أن المخدرات وباء أصبح أكثر انتشارا، ليس لدينا فقط، بل في كل أرجاء العالم، واستمر يهدد كل المجتمعات، وللتصدي له فلا بد من عمل مشترك لكل أطياف المجتمع.