أكدت المملكة أن المجتمع الدولي أخفق في معالجة الأخطار التي أخذت أشكالا وقوالب جديدة مثل خطر الإرهاب الدولي، مجددة حرصها الدائم على المشاركة في كل جهد ومسعى من شأنه أن يُسهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين، ويرتقي بأداء منظمة الأمم المتحدة، ويقربها أكثر نحو الأهداف والغايات النبيلة التي نص عليها ميثاقها.

جاء ذلك في كلمة مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبدالله المُعَلِّمِي، أول من أمس أمام مجلس الأمن حول "صون السلام والأمن الدوليين".

وقال: "إن مما يبعث على الألم أن تأتي مناقشاتنا حول هذا الموضوع في وقت يغيب فيه الأمن والسلم عن كثير من بقاع الأرض في الشرق الأوسط وفي أفريقيا وأوروبا وآسيا وغيرها من الأماكن. لئن كان النظام العالمي الجديد الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية والمتمثل في الأمم المتحدة وميثاقها قد أفلح في تفادي حرب عالمية ثالثة، فإن مجموع الحروب التي خاضها العالم في أماكن متفرقة عبر السبعين عاما الماضية يفوق في ضراوته وآثاره وخسائره ما كان يمكن أن ينتج عن حرب عالمية من دمار، مما يجعلنا نتساءل عما إذا كان هذا النظام والميثاق قد نجح فعلا في صيانة الأمن والسلم الدوليين".

وأضاف "وإذا أمعنا النظر في منطقة الشرق الأوسط فإننا نجد أن العقود السبعة الماضية قد شهدت ما لا يقل عن 15 حربا، كان معظمها مرتبطا بشكل أو بآخر بالقضية الفلسطينية، وما زالت بعض هذه الحروب تخيم بآثارها على المنطقة حتى يومنا هذا".

وأوضح أن الدارس لواقع المنطقة وما شهدته من حروب لا بد أن يستخلص النتائج التالية: "أولا: أن المجتمع الدولي، متمثلا في مجلس الأمن، قد أخفق في منع الاحتلال وفي إزالته، ولذلك، ما زلنا نشهد واقع حرمان الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني".

وتابع "ثانيا: فإن المجتمع الدولي أخفق في حماية الشعوب من المجازر التي ترتَكَب بحقها من قبل سلطات فقدت شرعيتها، ولقد كانت رواندا مثالا فاضحا على العجز والشلل في مواجهة أحداث مروعة كانت وما زالت تشكل عبئا على الضمير العالمي، وكذلك الحال ما نشاهده اليوم في سورية، حيث تستمر عمليات القتل والترويع ضد أبناء الشعب السوري وباستخدام الطائرات والصواريخ والغازات السامة والحصار والإبادة والتهجير دون أن ينجح المجتمع الدولي في تحقيق اختراق يذكر على صعيد المساعدات الإنسانية فضلا عن التسوية السياسية المنصفة".

وقال السفير المعلمي "ثالثا: إن المجتمع الدولي أخفق في معالجة الأخطار التي أخذت أشكالا وقوالب جديدة مثل خطر الإرهاب الدولي، وأن محاربة هذه الظاهرة اتخذت في كثير من الأحيان شكل حلول مرحلية وإقليمية لم تتعامل مع كون الإرهاب ظاهرة عالمية إذا اختفت في مكان ظهرت في مكان آخر، وأن الإرهاب مسألة فكرية فضلا عن كونها قضية أمنية".

ومضى يقول "رابعا: إن المجتمع الدولي لم يتمكن حتى الآن من وضع الأسس والقواعد الكفيلة بمساعدة البلدان على تخطي مرحلة ما بعد الحروب والاضطرابات".

وتابع "خامسا: أن التكلفة الباهظة التي ترتبت على هذه الأوضاع سواء في الأرواح أو في الممتلكات أو الفرص الضائعة وأزمات الجوع والأمراض والأجيال الضائعة المترتبة عليها شكلت وما زالت تشكل أعباء هائلة واستنزفت موارد طائلة لو أنها وجهت نحو التنمية والبناء والقضاء على الفقر والجهل والمرض لكان عالمنا اليوم أكثر أمنا واستقرارا ورخاء".

وأكد الدكتور المعلمي أن المملكة من منطلق كونها دولة مؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة ومن أوائل الموقعين على ميثاقها وتفخر بالتزامها به، قد حرصت دوما على المشاركة في كل جهد ومسعى من شأنه أن يُسهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين، ويرتقى بأداء هذه الهيئة الدولية ويقربها أكثر نحو الأهداف والغايات النبيلة التي نص عليها ميثاقها ونتطلع جميعا لبلوغها وإدراكها. وقال: "إننا ما زلنا عند اعتقادنا الراسخ أن قدرة الأمم المتحدة على القيام بمهامها ترتبط أساسا بمدى توافر الإرادة السياسية لأعضائها لوضع تلك المبادئ موضع التنفيذ الفعلي، وما يستدعيه الأمر من تحديث وتطوير للأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة لجعلها أكثر تمثيلا وملائمة للمستجدات والمتغيرات التي شهدتها الساحة الدولية على امتداد الحقبة المنصرمة من تاريخها".

وأضاف السفير المعلمي قائلا: "استمعنا إلى مندوب إسرائيل وهو يتعامل مع هذا الموضوع الحيوي بسخرية وصلف واستهزاء، ورأينا كيف منح لنفسه الحق في توزيع المناصب والجوائز الأوسكارية يمنة ويسرة، ونسي أو تناسى مقدار السخرية المتناهية في تولي إسرائيل منصبا في لجنة إزالة الاحتلال، وإسرائيل هي المحتل الأول بلا منازع، ونسي أن يستكمل توزيع جوائز الأوسكار المزعومة التي راح يوزعها وكان عليه أن يمنح إسرائيل جائزة الأوسكار في أفلام الرعب والقتل التي مارستها في غزة وقانا ودير ياسين وصابرا وشاتيلا وبحر البقر وغيرها، وجائزة الأفلام الوثائقية المزورة عندما تَدَّعي لنفسها حقوقا مزعومة في القدس الشريف والخليل وأراضي فلسطين العربية، وجائزة أسوأ ممثل عندما يخرج مندوبها ليتحدث عن حقوق الإنسان والديموقراطية والعدالة وبلاده تخترق كل هذه المفاهيم يوما بعد آخر".

واختتم المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة قائلا "أود أن أقول إنه علينا قبل أن نربت على أكتاف بعضنا البعض، ونتبادل التهاني بالذكرى السبعين لهذه المنظمة الدولية، أن نسترجع جوانب النقص ونمارس قدرا من التواضع والنقد الذاتي الموضوعي، وأن نعترف بأن هذا النظام بشكله الحالي يظل قاصرا عن تحقيق التطلعات والآمال ومعالجة القضايا والمشكلات، وأن من أهم ما نحتاج إليه اليوم هو إعادة النظر في بعض المفاهيم والمؤسسات، وأن تنطلق نقطة البداية من إدراك أن ما كان صالحا لعالم منتصف القرن العشرين لم يعد ملائما لهذا القرن، وأن منظومة الأمم المتحدة قد أصبحت في حاجة إلى إصلاح شامل يجدد شبابها ويعيد الحيوية إلى مؤسساتها والفاعلية إلى أجهزتها".