كان الرئيس الأميركي أوباما يجري اتصالات هاتفية بالزعماء الأوروبيين وهو يشاهد "بملل" خطاب نتنياهو في الكونجرس ثم يقول "لا جديد". كان سماع مثل هذا التعليق ضرب من الخيال في العقود الستة الماضية. رئيس وزراء إسرائيل يحذر من اتفاق أميركا مع إيران. لقد تغيرت نظرة القوى العظمى إلى الشرق الأوسط، ولكنها ليست أولى الإشارات. قبلها بعام ونصف، وفي سبتمبر 2013 وصلت "يونغ شينغ" سفينة الشحن الصينية العملاقة إلى ميناء روتردام الهولندي، عبر القطب الشمالي في أولى الخطوات الكبرى لفتح خط ملاحة جديد بين أكبر اقتصاديات العالم، الصين والاتحاد الأوروبي دون المرور بالشرق الأوسط ومضايقه وحروبه، وتوقعات بتضاعف التبادل التجاري عبر هذا الخط 40 مرة خلال خمس سنوات، وتوفير في التكاليف والزمن.
وفي القطب الشمالي تظهر مؤشرات صراع على الثروة بين القوى العظمى، إذ إن ربع احتياطيات العالم من النفط والغاز غير المكتشف، وأرقام تتصاعد من إجمالي إنتاج النفط والغاز والمعادن، وله منظمة أعضاؤها أميركا وروسيا والنرويج والسويد وكندا والدنمارك وفنلندا وأيسلندا، ومراقبون: الصين والهند واليابان وإيطاليا وكوريا وسنغافورة. وقبلها في 2011 تعلن وزير خارجية أميركا كلنتون أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن الباسفيك الأميركي، وأن آسيا أرض الفرص والاقتصاد والنفط.
ويكتب برجنسكي وكيسنجر أن أوراسيا هي ساحة الصراع العالمي القادم، وأن حصار الصين هدف استراتيجي، وتعلن اليابان نيتها تغيير دستورها للسماح لها بما يسمى الدفاع الجماعي عن النفس، ليحق لها إرسال جنود خارج أراضيها. وتعلن العقيدة العسكرية الروسية أن تمدد "الناتو" هو الخطر الأكبر وأنها ستدافع عن مصالحها في القطب الشمالي "وليس الشرق الأوسط" وسيتم الدفاع عنها بكل الطرق، وتعلن ليتوانيا من جديد التجنيد الإجباري خوفا من تدخل روسي. ويهدي بوتين أصدقاءه في رأس السنة مؤلفات إيفان إيلين الذي توفي عام 1954 صاحب نظرية الاتحاد العسكري الروسي والتمدد نحو آسيا الوسطى. وتصارع "أوبك" نحو الحفاظ علي حصتها في سوق النفط وتعلن أنها ما زالت حية. تصارع وليست الوحيدة في الحلبة. حروب عالمية تدق طبولها. نسمع صداها وليست في منطقتنا. منطقتنا الآن مهمة ولكنها لم تعد الأهم في استراتيجيات الدول العظمى.
وستصبح المنطقة فناء خلفيا للصراع العالمي وليست ساحته الرئيسة، وستتراجع أهمية الموقع والطاقة ويبقى الإرهاب ومكافحته عماد الأهمية. إنها المصالح من تحكم الدول الكبرى وليست العواطف، وستتغير الخرائط. وفي الخرائط يكمن السر. من أقرب لآسيا الوسطى: إيران أم إسرائيل؟