عاد الفارس إلى ميدانه.. عاد ليمارس مهاراته. وزيرا مدافعا ومثبتا لسياسة خارجية رشيدة امتدت لعقود، سياسة تنتهج الواقعية في قراراتها فلا إفراط ولا تفريط، عاد الفارس الذي كان ومنذ بداياته الأولى يذكرنا بوالده أول وزير للخارجية في المملكة الملك فيصل، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. في كفاحه دفاعا عن قضايانا المصيرية كوطن وأمة إسلامية وعربية، عاد الأمير سعود الفيصل بعد فترة علاج تكللت بنجاح بحمد الله ليعاود عمله الديبلوماسي بنشاط وعلى كافة المسارات أمده الله بالصحة والعافية.

الحقيقة أنني أشعر بالقلق في غياب سموه عن الساحة الخارجية حتى لو كان لفترة محددة خصصت للعلاج والنقاهة، مع يقيني التام أن من يتولون زمام الأمر في وزارة الخارجية هم رجال تمرسوا العمل الديبلوماسي الخارجي على يديه حفظه الله. إلا أنني ومنذ طفولتي المبكرة وبالتحديد منذ أربعة عقود لم أعرف للخارجية إلا الأمير سعود الفيصل، حفظه الله، الذي من وجهة نظري يعد كتابا مفتوحا يجدر بنا أن نقرأه ونتابع تحركاته السياسية الخارجية وعلى كافة الأصعدة، علينا أن ندرس كلماته وتعليقاته سواء في المحافل الدولية أو في المؤتمرات الصحفية.

نحن إن فعلنا ذلك اليوم سيكون من السهل ترك رصيد غني للسياسة الخارجية للأجيال المقبلة، وأعتقد أن الجامعات السعودية أو حتى الطلبة المبتعثين للدراسات في الكليات المعنية بالسياسة عليهم الاهتمام بدراسة هذه الشخصية الاعتبارية كونها رمزا سياسيا يحمل الكثير من نجاحات السياسة الخارجية، وعليه كان من الطبيعي أن نطالب بتخصيص دراسات أكاديمية وطنية للسياسة الخارجية تكون مرتبطة بشكل مباشر بشخصه الكريم، كون سموه -حفظه الله- شهد كثيرا من النجاحات الدولية والإقليمية، وعاصر سياسات عالمية كثيرة لامست قضايا مصيرية لدول إقليمية وإسلامية وعربية بل وعالمية، اتسم بعضها بالنجاح تارة والفشل تارة أخرى.

أحمد الله أننا نتابع وبشكل دائم وجود أصوات تتحدث تحت قبة الخارجية السعودية تؤمن بالسياسية الخارجية المعمول بها، إلا أن هناك من هو دون هذا المستوى ممن يفتقد الفطنة الديبلوماسية اللازمة لخدمة الخارجية السعودية، التي تعتبر من منظوري عنصرا هاما جدا للتحدث باسم المملكة في المحافل الدولية. فهناك من لا يجيد إلا قراءة الأوراق المعدة مسبقا والموضوعة أمامه، فيظهر كالآلة تعمل ما يطلب منها ليس إلا.. فلا يترك خلفه أثرا إيجابيا في المحافل الدولية التي يمثل البلاد من خلالها، بل قد يترك أثرا سلبيا فادحا فيضر الديبلوماسية ولا ينفعها.

أنا لا أتطلع بطبيعة الحال إلى استنساخ صورة طبق الأصل من الأمير سعود الفيصل -حفظه الله، الذي بذل جل عمره ليصل بالديبلوماسية السعودية إلى هذه المكانة المؤثرة دوليا، فقد عمل في هذا المجال قرابة 40 عاما أطال الله في عمره وأعانه على خدمة البلاد. إن كل ما أتطلع إليه هو وجود خارطة واضحة للسياسة الخارجية للبلاد تجدها الأجيال القادمة وتعمل على اتخاذها مسارا عاما لا تحيد عنه، مع يقيني أن لكل زمان ظروفه ومتطلباته، إلا أن الخطوط العامة للسياسة السعودية الخارجية يجب التزام الأجيال المقبلة بها وعدم الخروج عن حدودها، لأسباب جوهرية هامة، كون المملكة العربية السعودية تخدم الحرمين الشريفين وكونها البلاد التي تملك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وتحتل المرتبة الأولى كأكبر منتج ومصدر له، وهي البلاد المعروفة باستقرارها بحمد الله على كثرة ما يحاك ضدها، إضافة إلى كون سياستها الخارجية تتسم بالعقلانية والثبات والوضوح خاصة في الخطوات العريضة، وهذا الثبات أضفى علينا الكثير من الهيبة دوليا.

وحين أطالب بإجراء دراسة عن إدارة الأمير سعود الفيصل للملف الخارجي فأنا لا أطالب بتمجيد شخصه الكريم -حفظه الله- فلن تزيد دراسة كهذه من مكانته ولن تقلل منها جزاه الله عن البلاد وعنا خيرا وأطال عمره على طاعته، ولكني أعتقد أن هذا الإرث الديبلوماسي لا يمكن إهماله، وعدم رصده خسارة قد تحصدها الأجيال المتعاقبة. وبما أن العمل على رصده يتطلب جهدا متواصلا ولوقت طويل، وبما أن وقت الأمير مزدحم ومن المستبعد تفرغه لعمل كهذا، كان لا بد من تكليف جهاز أكاديمي وديبلوماسي مخضرم للعمل على تدوينه ومن ثم عرضه على مراحل على سموه وعلى مستشاريه المقربين، ليتم التصحيح والتعليق على ما فيها.

وفي الختام: لا بد أن أهنئ الوطن بعودة الديبلوماسي عبدالله الخالدي إلى المملكة بحفظ الله ورعايته، ولا بد لي كمواطنة أن أتقدم بالشكر لوزارة الخارجية من ناحية على متابعتها للقضية منذ أيامها الأولى ومن ناحية أخرى أتقدم بالشكر لوزارة الداخلية وكذلك الاستخبارات العامة فقد كان لهم الدور البارز في عودته إلى البلاد سالما معافى، وأخيرا أوجه شكرا خاصا للأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، الذي أولى هذه القضية الاهتمام اللائق بها منذ بداياتها إلى لحظة عودة الخالدي واستقباله في مطار الرياض.