تكتسب آنية صناعة القهوة "الركوة" أهمية تقليدية في صناعة أهم مشروب اكتشفه الإنسان، وهو القهوة، وتشير قواميس اللغة العربية إلى أن "الركوة" في الأصل إناء صغير يُشرب به الماء، ولفظ "ركوة" قديم يعود إلى أزمان العرب الماضية، وقد ورد ذكره في الحديث الشريف كإشارة إلى إناء الماء.
غير أن استخدام هذا المسمى أصبح يطلق حديثا على الإناء المعدني الصغير الذي تصنع فيه القهوة الحلوة التي عرفت طريقة تحضيرها زمن الإمبراطورية العثمانية، بطريقة تختلف عن الطريقة التي اعتاد عليها العرب منذ اكتشاف نبتة القهوة في الحبشة وانتقالها إلى اليمن، ومنها إلى تركيا التي شهدت انتشار المقاهي العامة، ومنها إلى المجتمعات العربية خلال حقبة الاحتلال العثماني.
وتحاول بعض المجتمعات العربية اليوم التخلص من هذا الإرث؛ ففي لبنان توصف القهوة بـ"اللبنانية"، وفي بلاد أخرى يسمونها "قهوة حلوة"، وغالبا ما توصف بأنها "قهوة" فقط، كما هو الحال اليوم بالنسبة لطريقة تحضير القهوة السوداء المعروفة بـ"الأميركية" التي تقاومها بعض الشعوب الأخرى إما بطريقة تحضير مختلفة كما هو حال "القهوة الفرنسية" وغيرها.
ونظرا لارتباط القهوة بالثقافة، فقد جمعت القهوة عبر تاريخها الشعراء والأدباء والكتّاب والفلاسفة والمفكرين والصحفيين تحت سقف واحد، في مجتمعات ودول مختلفة من العالم، واشتهرت المقاهي العالمية حول العالم بأنها ليست مكانا لشرب القهوة يجتمع فيه عامة الناس، إنما مكان لاجتماع النخب وتداولها الأفكار.
وبالعودة إلى القهوة وتاريخ اكتشافها يقدّم الدكتور سعيد السريحي في كتابه "سيرة القهوة وخطاب التحريم" روايات مختلفة لاكتشاف هذا المشروب اللذيذ، فحينا ترتبط الرواية بالملائكة والأنبياء والصالحين والرهبان والقساوسة، وحينا ترتبط بالجن والعفاريت والعالم السفلي، ويؤكد السريحي أنه لا يمكن فهم الإلحاح على ربط التعرّف على القهوة بدور العبادة والارتقاء بأول مكتشفيها إلى مراتب الأنبياء والصالحين، سوى اعتبار ذلك أنه بهدف تطهير القهوة عما لحق بها من الابتذال.
أما عن اكتساب القهوة هذا المسمى فيرجّح السريحي الرأي القائل بأن أول من أطلق عليها هذا الاسم هم "المتصوفة" وهو أحد أسماء الخمر في اللغة العربية، ولكن أصبحت القهوة من أهم المشروبات التي تحرص الشعوب القديمة على تناولها خلال أداء شعائر العبادة باعتبارها مشروبا مقدسا، وقد حلت محل المشروبات المسكرة والمخدرة لدى من يتناولونها من هذه الشعوب، ما "يجعل من التعرّف عليها محصّلة للبحث عما يمكن أن يحل محل الخمر، إذ لم يعد هناك من سبيل لتعاطيها بعد القطع بتحريمها"، ولذلك جاء تحريم القهوة والحديث عن ذمها لدى بعض العلماء نتيجة لما حّلت محله في التحريم.
وحكاية انتقال القهوة من نخبة العبّاد والمتصوفة ورجال الدين ارتبطت بما كانوا يمارسونه من حرف، باعتبار أن القهوة منشط في ممارساتهم تلك، وفي الوقت ذاته ارتباطها بحالات اللهو والتسلية.
ويشير السريحي إلى صدور المراسيم السلطانية في العهد المملوكي بتحريم شرب القهوة في مكة، وقد استصدرت بعد الرجوع إلى مجلس يضم فقهاء وعلماء وأطباء عدّها مفسدة للبدن والعقل قياسا على غيرها من مذهبات العقل ومفسدات البدن، ويرد المؤلف هذا القرار بالتحريم إلى أسباب سياسية تتصل بالأوضاع المضطربة في مكة من جهة، ومن جهة أخرى إلى الصراع على النفوذ بين المماليك واليمن، ولكن لم يكن لهذا القرار من سلطة على المجتمع، إلى أن حلّ الشاي بديلا عن القهوة، ولم يدر حوله جدل التحريم كما حصل في القهوة، على الرغم من استخدام الأواني نفسها التي كانت تستخدم في تحضير القهوة.