عدّ مذيع النشرة الرئيسة السابق في التلفزيون السوري الإعلامي المنشق هاني الملاذي، أن نظام بشار الأسد سقط منذ أواخر 2011 وتحول إلى عصابة، لافتا إلى أنه بات يشكل عبئا على إيران التي لن تستمر في تمويله وإنعاشه إلى ما لا نهاية.

الملاذي الذي حاورته "الوطن" أكد أن اللقاء الإعلامي الأخير للأسد كشف انفصاله عن الواقع وتناقضه مع نفسه، وهو ينكر رمي البراميل المتفجرة على المدنيين واستخدام غاز الكلور والأسلحة الكيماوية، رغم مئات الشهادات والتحاليل والتقارير التي وثقتها جهات دولية ومتخصصة.

وحول التنظيمات المتشددة في سورية قال الملاذي:"غالبيتهم ليسوا سوريين هم عراقيون أو من شمال أفريقيا، أما القلة منهم أي السوريين فقد تتفاجأ إن أعلمتك أنهم جميعا كانوا في السجون وأطلق سراحهم بظروف مريبة".

وأضاف الملاذي: "الأسد وحلفاؤه يدركون أن دماء السوريين رخيصة لأبعد الحدود، فالغرب لم يتحرك إلا على صورة معاناة آلاف الإيزيديين ومقتل صحفيين أجانب، وليس بسبب 200 ألف ضحية أُزهقت أرواحهم دفنا تحت البراميل، واختناقا بالأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا".

وعدد الإعلامي السوري أسبابا رأى أنها أسهمت في استمرار الأسد حتى اليوم، منها انشغال دول عربية مؤثرة في مشكلاتها الداخلية، واتفاق مصالح أميركا وروسيا على إطالة أمد الصراع، معولا على دور مجلس التعاون الخليجي مدعوما بمصر وتركيا في الضغط على إيران.




أوضح المعارض السوري الإعلامي السابق بنظام الأسد هاني الملاذي أن نظام بشار الأسد سقط منذ أواخر 2011، وأن ما نراه اليوم في سورية ما هو إلا سلطة احتلال وعصابة. مضيفا أن بشار الأسد يعيش حالة الإنكار، فهو ينكر كل شيء ويتغابى عن الحقائق الدامغة كما بدأ ذلك في لقائه الإعلامي الأخير، إذ أنكر رمي البراميل المتفجرة على المدنيين واستخدام غاز الكلور، وكذلك استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين رغم مئات الشهادات والتحاليل والتقارير التي وثقتها جهات دولية ومتخصصة.

جاء ذلك، في حوار أجرته "الوطن" مع الإعلامي هاني الملاذي، فإلى نصه:


الأسد ناقض نفسه

ظهر بشار الأسد عبر الإعلام وتحدث في مواضيع متفرقة منها: عدم استخدام السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة، وكذلك نفى علمه بالحصار لتجويع المدنيين في حدود المعارضة.. ما تعليقك على ذلك؟

لا جديد فيه يستحق الاهتمام، هو كعادته بدا منفصلا عن الواقع بامتياز، متناقضا مع نفسه ومع سياساته وحتى مع لقاءاته السابقة. ففي لقائه الصحفي الأخير رفض الأسد الاعتراف بفشل نظامه، مدعيا أن مؤسسات الدولة لا تزال تؤدي واجباتها تجاه الشعب السوري. فيما آلته العسكرية رغم دعمها بميليشيات طائفية مستوردة بتمويل إيراني بالكاد تسيطر على ثلث مساحة البلاد، ولا أعرف عن أي واجبات يقدمها لشعبه إذا كان نصف سكان البلاد بات نازحا ولاجئا ومهجرا وثلاثة أرباع السوريين حسب إحصاءات وتقارير المنظمات الدولية يحتاجون إلى الدعم. والأسد ذاته الذي كان يتحدث عن صوابية قراره بمحاربة الإرهاب منذ مارس 2011، هو ذاته سبق أن اعترف في مناسبة سابقة أن تسليح الثورة لم يبدأ إلا بعد ستة أشهر من ذاك التاريخ، كما أن تنظيم "داعش" الإرهابي لم يعلن عن تأسيسه إلا في أبريل 2013 أي بعد عامين.

وجاءت الطامة الكبرى حين كرر جهله بسلاح البراميل المتفجرة رغم إلحاح واستغراب محاوره البريطاني وتكراره السؤال لخمس مرات خلال المقابلة الأخيرة ذاتها، علما بأن تصريحات مسؤوليه وكبار ضباطه التي تملأ صفحات التواصل الاجتماعي تقر وتتغنى بهذا النوع من السلاح التدميري، فضلا عن الصور والفيديوهات التي وثقت سقوط تلك البراميل من مروحيات جيشه.

ثم عاد وأنكر استخدام غاز الكلور وكذلك أنواع الأسلحة الكيماوية رغم مئات الشهادات والتحاليل والتقارير التي وثقتها جهات دولية ومتخصصة.

هو أيضا ناقض الواقع بشكل مكشوف ويدعو إلى السخرية حين قال مبررا بقاءه: "إن مليون متظاهر من أصل 24 مليون سوري هي نسبة لا يعتد بها"، وتناسى وهو الذي درس وعاش في بريطانيا وسوقه أنصاره على أنه إصلاحي ليبرالي، أن تظاهر بضع آلاف في أي دولة غربية وإن تجاوز سكانها الـ70 مليونا كفيل بإسقاط أي حكومة.

كما قال إنه "عندما تطلق النار فإنك تصوب وعندما تصوب يكون تصويبك على الإرهابيين من أجل حماية المدنيين"، كيف يحمي المدنيين ووثق حتى الآن أسماء 65 ألفا و146 شهيدا من المدنيين فقط بينهم 10 آلاف و664 طفلا، وهي إحصاءات مقننة وفي حدها الأدنى أصدرها المرصد السوري لحقوق الإنسان قبل أيام، فضلا عن عشرات آلاف المفقودين أو المدفونين في مقابر جماعية.





اتهام المملكة

كذلك هو اتهم المملكة بدعم وإرسال الإرهابيين علما بأنها تخوض منذ سنوات طويلة - قولا وفعلا - حربا ضروسا ضد التيارات الإرهابية، وهي اليوم أيضا تقود الدول العربية في تحالف دولي ضد الإرهاب وفي صدارة ممولي كلفته، ثم اتهم الأردن بالأمر ذاته، فيما هي الأخرى أرسلت طائراتها لقصف مواقع الإرهابيين وفقدت أخيرا أحد طياريها. وكل هذا فيما قواته وميليشياته كما بات واضحا تركت التنظيمات الإرهابية تسرح شرق البلاد، وتفرغت لقتل الشعب وحصار المدن والبلدات وتجويع الأهالي.


قمة التناقض

لكن ألم يكن هناك إرهابيون ومتشددون في سورية؟

قيادات التنظيمات المتشددة التي تقصدها غالبيتهم ليسوا سوريين هم عراقيون أو من شمال أفريقيا، أما القلة منهم أي السوريين فقد تتفاجأ إن أعلمتك أنهم جميعا كانوا في السجون وأطلق سراحهم بظروف مريبة.

نعم، الأسد أكثر من ذلك أصدر مع الأسابيع الأولى من بدء الانتفاضة السلمية مراسيم عفو شملت إطلاق آلاف المدانين بتهم وجرائم إرهابية وجنائية وجنسية، ولم تشمل المراسيم إطلاق سراح مثقفين وناشطين سياسيين أو حقوقيين.

توقعت أواخر 2011 انهيارا وشيكا للنظام مستدلا بالمؤشرات العسكرية والاقتصادية إلا أن النظام ظل صامدا حتى اليوم.ما هي الأسباب التي أدت لعدم انهياره؟

صحيح، ومن قال إن النظام لم يسقط؟ اليوم سورية بلد محتل يعيش على حقن إنعاش مالي وعسكري من إيران وروسيا بكل معاني الكلمة، ويخضع لسلطة عصابة وليس دولة، هو سقط عسكريا وسياسيا واقتصاديا.

كيف ذلك؟

عسكريا، أكثر من 80% من المؤسسة العسكرية بقوامها المنظم (جيش، شرطة، استخبارات) باتوا ضحايا أو منشقين أو فارين من الخدمة، اليوم يقاتل فقط الـ20% المتبقين، وليس هذا فقط بل بإمرة ضباط الحرس الثوري الإيراني، وإشراف ميليشيا حزب الله ومشاركة آلاف من ميليشيات عراقية وأفغانية.

عسكريا أيضا، نحو نصف مدن وبلدات القلمون وريف حمص يسيطر عليها حزب الله وفي أطراف دمشق – الجنوب خصوصا - ميليشيا عراقية ولبنانية وفي شمال حلب ميليشيا عراقية وأفغانية. أين هو الجيش السوري من كل هذا؟ أكثر من ذلك حتى في معاقل النظام الرئيسة في محافظتي اللاذقية وطرطوس الخزان البشري لمؤيدي النظام كما يحلو للبعض وصفهما، باتت مظاهر الاستياء والتململ لا يمكن ضبطها مع تحكم ميليشيات الدفاع الوطني (الشبيحة) أو ميليشيا المتنفذين من رجال المال الموالين أو أقرباء الأسد بإدارة المناطق وتقاسم النفوذ فيها، وممارستهم أعمال الابتزاز والسرقة والقمع وفرض الأتاوات وسط غياب شبه مطلق لدور الدولة.

اقتصاديا، النظام سقط منذ نهايات 2011 ويعيش على القروض الإيرانية، الاقتصاد السوري بالمعنى الهيكلي انهار تماما، هو لم يعد يسيطر على حقول نفطه في الشرق ولا على محاصيل القمح والحبوب الاستراتيجية في الشمال، وانعدمت مداخيل الترانزيت والجمارك بعد فقدانه السيطرة على المعابر شرقا مع العراق وشمالا مع تركيا وجنوبا مع الأردن ولم تبق له إلا نافذة لبنان، وكذلك انعدم مدخول السياحة. وانخفض سعر صرف الليرة مقابل الدولار بين عامي 2011 و2015 لأكثر من 500%. وتوقفت أو تدمرت أو نهبت جميع المنشآت الصناعية في العاصمة الاقتصادية حلب، وكذلك في أطراف دمشق، وهاجرت رؤوس أموال المعارضين والمؤيدين معا.

فيما سياسيا، لا تزال المقاطعة الديبلوماسية شبه الجماعية من قبل دول العالم لنظام الأسد، مع انخفاض أو انعدام مستويات التمثيل الديبلوماسي.

هو باختصار وكنظام لا يسيطر إلا على بضعة أحياء في دمشق تضم الوزارات ومراكز القيادة ويتمركز بها. فيما أحياء أخرى ضمن العاصمة ذاتها كجوبر وبرزة لا يزال يعجز عن إخضاعها.

ما المطلوب حدوثه أكثر كي نقول إن النظام سقط؟

في ضوء ما سبق، ورغم ما سبق، هناك سلوك عنجهية وتعنت مريب يبديه هذا النظام، ولكن إلى متى سيستمر ذلك؟ سيستمر ما دامت دول عربية رئيسة ومؤثرة غارقة أو أغرقت في مشكلاتها الداخلية، وسيستمر ما دامت الولايات المتحدة وروسيا التقت مصالحهما من تحت الطاولة على إطالة أمد الصراع السوري واستنزاف الطاقات والمقدرات، وسيستمر ما دام الأسد وحلفاؤه يدركون أن دماء السوريين رخيصة لأبعد الحدود، فالغرب لم يتحرك إلا على صور معاناة آلاف الإيزيديين ومقتل صحفيين أجانب، وليس بسبب 200 ألف ضحية أزهقت أرواحهم دفنا تحت البراميل واختناقا بالأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا. وستستمر عنجهيته وتعنته ما دام قادرا على اللعب على سائر التناقضات الأخرى لإطالة أيام وأسابيع بقائه.

مثل ماذا؟

مثل مواضيع التطرف والإرهاب الذي رعتها وسهلت عملها أجهزة استخباراته حتى أصبحت واقعا مفروضا أربك الحسابات الدولية إلى حد بعيد، كذلك فشل ثورات الربيع العربي في أكثر من مكان.

هل تقصد مصر وليبيا وتونس؟

الشعب السوري شعب مظلوم كافح وناضل لأجل حقوقه البسيطة ولا يزال يدفع ثمن ذلك من دماء وأرواح أبنائه.. هو يستنجد ويستقوي بأي موقف عربي أو إسلامي بصرف النظر عن أي اعتبار آخر أو حسابات أخرى، ولا تعنيه طبيعة الأنظمة الحاكمة بل تعنيه مواقفها. السوريون مثلما هم يحتاجون ويقدرون عاليا موقف المملكة الداعم والمشرف لنصرة قضيتهم، هم أيضا بحاجة إلى مصر الآمنة المستقرة القوية مثلما هم بحاجة لأي موقف عربي مشابه يأتي من تونس أو ليبيا أو غيرهما، ولا تعنيهم الشؤون الداخلية في هذه الدول.

من جهة أخرى، السوريون في المعارضة لديهم تيارات من مختلف المشارب والأطياف من اليساري المتشدد إلى اليميني المتطرف، ومن العلماني إلى الإسلامي وإن كان فريق ما في المعارضة لحسابات مرحلية ضيقة أو خاطئة ناصر حزبا أو تيارا عربيا أو أيده فهذه محسوبة عليه وليس على المعارضة أو على الشعب السوري بأسره.

أنا أرى أن ثمة ردود فعل انفعالية مبالغ بها اتخذت من بعض الدول بحق سائر المعارضة السورية لاحقا بسبب ذلك. وهنا أسأل إن سلمنا أن فريقا من المعارضة السورية أخطأ الحسابات والفعل، ماذا ذنب الشعب السوري وثورته ضد القاتل المستبد؟

كيف ترى الدور المصري اليوم؟

متأخر لكنه عودة محمودة ونحتاج المزيد، دعني أكون صريحا، لماذا خسرنا العراق ولبنان ثم اليمن والآن سورية، وما الذي مكن الغير من استباحة أمننا وأماننا بهذه الصورة التراجيدية إلا اختلافاتنا الجانبية الضيقة.

اليوم المملكة القوية ومعها الإمارات وقطر، حين تلتقي مع مصر القوية فهذا صمام أمان للأمتين العربية والإسلامية وأسأل الله أن يدوم ذلك.

وماذا عن تركيا؟

تركيا لها توجهاتها وحساباتها، لكنها هي الأخرى باتت تعمل بمفردها، وأرى أنه وإن كان ثمة بعض الاختلافات في الرؤى والتفاصيل فإن كما كبيرا من الآفاق المشتركة بالمقابل يمكن أن يجمع الجميع، فتركيا تشاطر المملكة آراءها وسياستها المتعلقة بالملف السوري لدرجة تكاد تبلغ حد التطابق. وهذه نقطة يمكن التأسيس عليها والبناء عليها كثيرا. وستعود بالخير على الجميع ليس أمنا فقط بل استراتيجيا وتنمويا.

ماذا تتوقع للقادم من الأيام، وما هي السيناريوهات المحتملة؟

كي أجيبك سأتناول الموضوع السوري من زاوية إيران ومصالحها فقط، لأن الأمر إلى حد بعيد هو كذلك. صراحة أنا أفضل الحل السياسي وإن كنت لا أستطيع الرهان عليه، من واقع قراءتي لطريقة تعاطي طهران ومن خلفهما موسكو للأزمة. وهنا ربما بعض الضغط على الأرض يكون مجديا أكثر لجرهما نحو التفاوض، أنا أعتقد أن إيران أخيرا توسعت جغرافيا وأفقيا بشكل أفادها كثيرا مرحليا، لكن على الأمد البعيد شكل عليها عبئا سيسرع في استنزافها وانحسار نفوذها، إن أحسنا قراءة المشهد، هي حكما لن تستطيع الاستمرار في تمويل وإنعاش الأسد إلى ما لانهاية. هي تحت الضغط وتحت الضغط فقط ستطرح على الطاولة هذه الورقة وستساوم عليها بنهاية الأمر. وكلما كان الطرف الآخر قويا بخس الثمن، والطرف الآخر هنا هو مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة، ويفضل أن يكون مدعوما من مصر وتركيا كطرفين إقليميين واعيين لخطر التغلغل الإيراني.