ترى إلى أي الإطارين ينتمي المثقف عادة أو قل في أي الحضنين يرتمي، المزاج بين الخاص والعام أم المؤسسة ذات اللوائح والمنهجية؟
شخصيا لم ألتق حتى اللحظة بالطبع مثقفا أو مبدعا يرنو إلى الانضواء -على صعيد الإنتاج- تحت هيمنة مؤسسة مهما كانت مقدرتها ونفوذها، المثقف حالة مستعصية على التأطير، ومن هنا يتوجب على المؤسسة الراعية له أن تتفهم هذه الحالة، وتعمل على إشباعها بما يتماشى وجودة المنجز المروم، موفرة في ذلك إطارا مرنا يمكنه أن يستوعب المتجاوز وغير المألوف عبر طرحه للقراءة وإعادة الإنتاج بدلا عن الرفض المطلق والإقصاء غير المحمود.
إن من طبيعة المبدعين الرؤية بصورة مختلفة ومغايرة لما يراه عامة الناس، وقد يذهبون بعيدا في تصوراتهم وأفكارهم ونسجهم لحيثيات المستقبل، ما يجعل المؤسسات تنبذهم وتحدّ من تدفق إنتاجهم، غافلة عن الطبيعة المختلفة التي تميزهم عن غيرهم فيقال إنهم مزاجيون عشوائيون لا يعتدون بحدود المؤسسة ولا أنظمتها، وفي هذا ظلم بيّن لهم بوصفهم كائنات إبداعية ذات جينات معرفية خاصة، ولهذا فإن الربط بين سلوك المبدع العام ونتاجه الإبداعي يعتوره شيء من الإجحاف في الأحكام التي تطلق جزافا وبشكل مجاني، لمجرد أن سياقا مقتبسا ومبتورا قد استغل لرمي المبدع بصفات تخرجه من دوائر الانتماء الديني أو الوطني.
على المؤسسة أن تفهم أن الإبداع حالة متفردة لها خصوصيتها، وعلينا تقبل ما تفضي إليه تلكم الحالة شريطة ألا يتماس مع ثابت مقدس أو نهج يتعارف المجتمع على ضرورته ورسوخه كالقيم الوطنية الرئيسة. أما حياة الناس وما يكتنفها من متغيرات اجتماعية مرحلية فهي في نطاق الاشتغال الإبداعي والفكري المتاح بل والمطلوب، وها نحن اليوم نعيش تظاهرة ثقافية كبيرة تتمثل في المعرض الدولي للكتاب الذي ينعقد الآن في عاصمتنا الغراء، وسنجد من الفعاليات ما يُختلف عليه وما يُتفق معه وهذا أمر طبيعي وحالة صحية، فلو اتفقنا على كل شيء لفقدنا طعم الاختلاف، ولتأخر المنجز وأصبحنا نسخا مكررة، وهذا ما لا تطيقه مزاجية المثقف ولا يمكنها التعايش معه أو البقاء تحت كنفه، الفنان في حقيقته حالة مزاجية وهذا –في رأيي- سر توهجه وقدرته على المواصلة، ولَكَم عرفت مبدعين خفت ضوؤهم وانطفأ لمعانهم بعدما قيدهم الكرسي الوثير في المؤسسة المؤطرة.