تسمح ظروف التطابق والتماهي في السن والعمر ما بين معالي الوزير الأنيق، عزام الدخيل وما بيني بكتابة هذا البوح بين مواطن ووزير. ولد صاحب المعالي بداية عام (الغبرة) الشهير في (ثرمدا) بينما سقطت (جبهتي) في هبوط اضطراري إلى عوالم جغرافيا وتاريخ بني يعرب نهاية العام ذاته في سراة عبيدة. وهذه الصدفة الحميدة تفترض أنني أتوافق متوائما مع معالي الوزير في تركيب وتراتبية العائلة. تفترض أن لديه مثلي ما يشبه محمد في الثالثة من الكفاءة المتوسطة، وخلدون في السادسة الابتدائية. الفارق أن معاليه أصبح حاملا ذمة خمسة ملايين طالب سعودي بينما اكتفيت أنا بحمل أمانة طفلين، فما الذي يحدث بالضبط في فوارق المسؤولية؟

أخي الغالي عزام الدخيل: في صدفة نادرة حملت بالأمس كيسين متوسطين من رز (أبو كاس) من باب المنزل إلى المطبخ، ومن بعدها بثوان (قليلة) حملت حقائب محمد وخلدون مثلما أفعل يوميا عندما يعودان من المدرسة. قررت يا معالي الوزير، أن أفضح هذه الحقائب وأن أنثر كتبها في الصالون المنزلي لأتعرف على الفوارق ما بين طالبين ومرحلتين.

والخلاصة النهائية أنني وجدت مناهجنا تسعى -بعبث وغباء وجهل فاضح- أن تزرع في هذين الطفلين كل ما يلي من الاستحالة وحتمية الفشل: أن تصنع كتب الجغرافيا من محمد نسخة من (الهمداني) ليكون خلدون صورة من (المسعودي). أن يكون خلدون في التاريخ شيئا من (ابن الأثير) حتى يتصدى له محمد (الطبري)! أن يكون محمد في الحديث بعضا من (الألباني) ليكون خلدون شيئا من (السيوطي). أن يكون محمد في العلوم تلميذا لـ(إنيشتاين) فيظهر له خلدون في الطرف الثاني من الصالون متلبسا (ستيف جوبز).

والخلاصة يا معالي الوزير، هي ذاتها التي كتبتها من قبل لأربعة وزراء من قبلك:

أنقذنا من هذا العبث فأطفالنا بكل هذه الملايين التي تذهب كل صباح إلى المدرسة لا تفرق أبدا بين حمل حقائب العلم وبين حمل أكياس (رز أبوكاس) مع كل غارة بين المنزل والمدرسة. نحن لا ننتظر من أطفالنا أن يكونوا الطبري ولا ابن الأثير ولا الألباني ولا إنيشتاين. يا صاحب المعالي: من الخطأ الفادح، بل من الحرام، أن يحمل (محمد) في هذا الصباح أحد عشر مقررا وكتابا في حقيبة (أبو كاس) بينما يكتفي (خلدون) في السادسة الابتدائية بتسعة كتب. أستأذن معاليكم بحفظ مقالي هذا لنشره في سنوات قادمة بالحرف الواحد مع تغيير طفيف في الأسماء والمناصب وأسماء الأطفال، وأيضا: أسماء العلماء والمقررات والمناهج.