أحيانا طرحك بعض الأسئلة على الغرباء يقودك إلى إجابات مؤلمة، وتتمنى لو أنك التزمت الصمت ولم تطرحها، "مالك ومال الناس"!
قبل ليلتين في أحد المطارات المحلية ركبت برفقة أحد الأصدقاء مع سائق سيارة خاصة.
الاقتراح كان منه، قال: "خل ننفع الرجل، ونسولف معاه"، وافقته على الاقتراح، رغم أننا كنا بطريقته تلك نشجع على ممارسات غير نظامية كما يصفها بعضنا!
أثناء الطريق فتحت مع السائق دون قصد باب الأسئلة، أخبرنا أنه في منتصف الثلاثينات. لديه أربعة أطفال. يسكن في شقة مستأجرة. واصلنا طرح الأسئلة بفضول الصحفيين. فانهمرت علينا إجابات موجعة. جاءت خاتمة الحوار كما يلي:
ما عملك الأصلي؟ موظف حكومي.
ما الذي يدفعك إلى العمل الإضافي؟! الحاجة، راتبي الحكومي لا يكفي العيش الكريم. أستلم شهريا 8300 ريال. أدفع إيجارا سنويا 24 ألف ريال. هذا يعني أن ثلاثة رواتب تذهب للإيجار، وهناك فواتير كهرباء وهاتف وإنترنت ومواد تموينية وأخرى استهلاكية وإصلاحات طارئة ومصاريف الأولاد والزوجة والرحلات والتسوق والملابس والصيدلية ومصاريف السيارة والمناسبات وغيرها.
فكيف أستطيع مواجهة كل هذه الارتباطات براتب ثمانية آلاف ريال؟!
-أليس الأمر مرهقا لك؟!
مرهق جدا، لكن لدي أطفال يحتاجون أن يعيشوا كغيرهم. أطفالي يريدون أن يأكلوا ويلبسوا كغيرهم. يريدون أجهزة وألعابا و"ملاهي"، ماذا أفعل؟ كيف أواجه دموعهم؟! أوقفنا النقاش عند هذه النقطة.
مؤكد أن هناك الآلاف غيره يعيشون الظروف ذاتها. لا تتوقعوا أنني سأعيد أسطوانة الرواتب. التكرار ممل، ممل جدا، فقط أدعوكم إلى أن تعيدوا صياغة الأنظمة الإدارية. أعيدوا علاقتكم الإدارية بهؤلاء الموظفين الذين يبحثون عن تحسين وضعهم المعيشي. امنحوهم فرصة التجارة. امنحوهم فرصة العمل في القطاع الخاص. امنحوهم فرصة العمل الحر. افتحوا لهم نافذة للحياة، والعيش الكريم.