يبدو أن القلق العالمي من انتشار رقعة التطرف الذي يغذي الإرهاب وعملياته المختلفة حول العالم يتسع أكثر كل يوم، ويجعل دول العالم كافة -والغربية خاصة- تفكر بحلول وأساليب تكافح بها الإرهاب وأسبابه، وقد تكون هي سببا فيه بطريقة أو بأخرى وفق المعايير التي تتناسب مع أدوارها ومصالحها السياسية، خاصة وهي تحاربه في جهة وتناصره أو تتغاضى عنه في جهة أخرى من العالم.

تفاوتت هذه الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها بعض الدول الأوروبية حول هذا الشأن، وبعضها جدير بالتأمل والتأسي به في الدول العربية والإسلامية للحد من ظواهر التكفير والتطرف وغيرهما من الظواهر المؤدية إلى الإرهاب. ففي الأسبوع الفائت على سبيل المثال، اعتمد البرلمان النمساوي قانونا جديدا حول الجالية الإسلامية يمنحها حقوقا لأول مرة، ويسعى لمحاربة التطرف كما صرح بهذا وزير الاندماج "سيباستيان كورتز". ويهدف هذا القانون حسب تصريحات الوزير كورتز إلى تشجيع ظهور "إسلام ذو طابع أوروبي"، وقد يكون أنموذجا في دول أوروبية أخرى قريبا كسويسرا وألمانيا وفرنسا، ويشمل القانون: منح المسلمين الحق في أن يكون لهم رجال دين داخل المؤسسات الحكومية المختلفة كالجيش والمستشفيات والسجون وغيرها، بشرط إتقان الألمانية، ويمنحهم الحق في تناول اللحوم الحلال بما في ذلك داخل المدارس الحكومية. كما يحظر القانون تلقي أي أمول ومساعدات خارجية حرصا على ألا تكون هناك أي "وصاية خارجية" على الأئمة في النمسا أو على المناشط الدينية والثقافية الإسلامية هناك. وشهدت فرنسا أعمال عنف من متشددين إسلاميين الفترة الماضية وتنامت على إثرها مشاعر التوتر والكراهية ضد أبناء الجالية المسلمة هناك، وقام وزير الداخلية الأربعاء الماضي باقتراح خطط لتدريب الأئمة المسلمين في الجامعات لتخليص مسلمي فرنسا من "سموم التطرف والأصولية".

المؤتمرات التي تنوي بعض الدول إقامتها أو التي عقدتها بالفعل للحديث حول الإرهاب وأسبابه ومحاولة وضع حلول له وطرق لمحاربته، واللقاءات المختلفة أخيرا بين رؤساء عدة للدول لا تخلو من الحديث عن هذه الظاهرة وسبل التعاون للحد منها، جميعها توضح مدى غرق العالم في مستنقع الكراهية والاقتتال والدموية التي تعود لأسباب سياسية واقتصادية وأخرى دينية ومذهبية.

السببان الأخيران كما هو معروف هما وقود التطرف والاقتتال وظهور الجماعات الإرهابية في عالمنا الإسلامي والعربي. ولأن الدين قضية تمس قيمة أصيلة في حياتنا وتقوم عليها مجتمعاتنا تعاملا وتنظيما فإن التصدي للتطرف والإرهاب أولوية حتمية على الحكومات والأفراد، ونشر الوعي بالتأكيد على وسطية الإسلام واعتداله ضرورة ينبغي أن تتضافر لأجلها الجهود. وهو ما أكد عليه شيخ الأزهر في المؤتمر الدولي الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي بدأت فعالياته في القاهرة السبت الماضي تحت عنوان: "عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه.. طريق التصحيح"، وتشارك فيه المملكة وعدد من الدول الإسلامية ممثلة في وزراء الشؤون الإسلامية والعلماء والمفكرين، يُناقَش فيه قرابة خمس وأربعين ملفا تدور حول كشف اللبس الذي خلط بين الإسلام والإرهاب بفعل بعض ممن يتخذونه غطاء لتمرير فكرهم وأجندتهم المعادية لمفاهيم السلام والإنسانية التي أتى الإسلام ممثلا وداعيا لها.

إن السكوت في هذه الفترة العصيبة التي نمر بها عن أي محاولة من شأنها تأجيج الفتنة وإشعال وقود الطائفية والكراهية والإقصاء للآخر هو مشاركة فيها. فرفض الانصياع للمؤلبين والمحرضين هو أضعف الإيمان الذي يستطيع المسلم الحر أن يعبر عنه ويتخذ منه موقفا ضد التطرف، خاصة مع ما يحمله سجل المتشددين من استعداء للفرق والطوائف المسلمة الأخرى أو تحريض الشباب والتغرير بهم للذهاب إلى مواطن الفتن والاقتتال بحجة الجهاد ومساعدة المسلمين ضد أعدائهم المفترضين. وما يثلج الصدر أن مؤشر الوعي بدأ يتنامى، وأصبح الكثير من أفراد المجتمع يعودون إلى فطرتهم السوية التي تمثل الإسلام الصحيح برفضهم التشدد وخطب الطائفية والتحريض، ويتخلصون من أسمال الصحوة البالية التي قادت البلاد والعباد لجريرة الكراهية والعِداء، بل إن صوت رفضهم وخيارهم للسلم وانحيازهم السويّ له أصبح مسموعا لدى السلطة. وهذا ما حدث قبل أيام قليلة في جهة غالية من الوطن رفض أهاليها أن يُقيم أحد طلبة العلم -الذي اشتهر بخطبه المنبرية ذات النفس الطائفي والتحريض العلني للجهاد في مواطن القتال- رفضوا أن يقيم محاضراته فيها، فأوقفت إمارة المنطقة محاضراته المفترضة وكان السبب الذي تم تداوله: "بناء على طلب الأهالي". وهذا السبب في حد ذاته ينم عن وعي كبير لدى هؤلاء الأهالي ورفضهم أن تكون مدينتهم وقراهم هدفا جديدا لأي تجييش أو تأليب من شأنه أن يؤدي إلى التطرف وبالتالي الإرهاب الذي أصبح حديث الساعة في كل أنحاء العالم.

حينما يكون قرار التغيير وحماية الإسلام من التشوه الذي لحـق به بسبب بعض الفئات قـرارا فرديا يتخذه كل فرد، ثم يصبح خيارا اجتماعيا يستطيع أن يقرر المجتمع رفضه أو رده بدلا من أن يُفرض عليه كما في السابق فستكون هذه خطوتنا الأولى في المشاركة الفعلية لنصرة الإسلام وحماية الوطن من أهل الإرهاب ورعاته.