خلال الأيام الماضية تحولت الرياض إلى خلية للتفاهمات والمحادثات السياسية الإقليمية باستضافتها كبار زعماء المنطقة، وكان أحدثهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وسبقته سلسلة زيارات لقادة عرب وأجانب، فضلا عن قنوات اتصالات مستمرة بشتى العواصم العربية والدولية، سعيا إلى بلورة "مواقف متناغمة" حيال قضايا تهدد الأمن القومي العربي عامة، خاصة السعودية ومصر، عقب الانفلات الأمني الإقليمي، وتصاعد تهديدات "الحوثيين" باليمن لباب المندب والملاحة بقناة السويس، إضافة إلى سيطرة الميليشيات المسلحة على ليبيا لدرجة توجيه مصر ضربات جوية لمعسكرات تدريب ومخازن أسلحة "دواعش ليبيا" مؤخرا.
لقد فرضت التطورات السلبية على دول مجلس التعاون الخليجي تفعيل مقررات قمة الكويت "ديسمبر 2013" بتأسيس قوة عسكرية مُوحَّّدة بين دول الخليج، ودخلت القاهرة على الخط لتلاقي المصالح والمخاطر، وسعيا إلى تعزيز الأمن الإقليمي، علما أن القوة المُقترحة ليست بديلا لقوات "درع الجزيرة"، لكنها ستُكلف بمهام مختلفة وربما تكون نواة لتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، بغض النظر عن التعقيدات السياسية، الأمر الذي أكده ديبلوماسي مصري أن بلاده لن تتوقف طويلا أمام احتواء قطر خليجيا، فما يعنينا الموقف الصريح ضد "الإخوان".
ويدرك صناع القرار في السعودية ومصر ودول الخليج أن تغيير السياسات تجاه "الإخوان" ستكون له تداعياته السلبية على استقرار الإقليم الذي يعده القادة "تحالفا استراتيجيا"، لهذا أكدت مصادر مصرية وخليجية عدم ارتباط أية تفاهمات تجري مع قطر وتركيا بمسألة الإخوان، فلن يتغير الموقف السعودي تجاه الجماعة التي يتكهن ويتوهم قادتها بأن يكون عهد الملك سلمان بداية لتحولات جذرية في سياسة المملكة الخارجية، ستصب في مصلحة الجماعة، وتمنحها "قُبلة الحياة"، لكن محللين وديبلوماسيين في الرياض والقاهرة يستبعدون "أوهام الإخوان" الذين تدنى سقف توقعاتهم بأنهم لا يطمحون برفع جماعتهم من لائحة الإرهاب، بل يكفيهم تجميد القرار وإبقائه إرضاء لمصر، لكن هذا محض "تفكير بالتمني" منعدم الصلة بالواقع، كما يسود الاتفاق بين الديبلوماسيين والمراقبين بالبلدين.
وعقب مفاوضات وتفاهمات جرت على الأصعدة السياسية والأمنية والديبلوماسية بين الخبراء في الرياض والقاهرة وعواصم خليجية أخرى، توجت "الرؤية المشتركة" بمحادثات الزعيمين السعودي والمصري، لوضع اللمسات الأخيرة بشأن تشكيل "قوات عربية للانتشار السريع" تضم دول الخليج ومصر والأردن لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وإقرار الفكرة خلال القمة العربية القادمة بمصر نهاية مارس المقبل.
هناك مصادر أمنية مصرية ترى أن تشكيل "كيان عسكري لمكافحة الإرهاب" فرضته مستجدات المنطقة، كتعثر مفاوضات البرنامج النووي الإيراني التي كان مقررا نهايتها 24 نوفمبر 2014، ومددت لفترة أخرى تنتهي في يونيو 2015 لمتسع من المباحثات بين إيران ومجموعة (5+1) وسط تشكك في نوايا إيران، الأمر الذي تعده دول الخليج تهديدا مزدوجا من إيران وتنظيم "داعش".
أيضا، نشير إلى أن هناك توافق الشركاء العرب بشأن حجم وتمويل القوات المُقترحة، ونسبة إسهام كل دولة بتشكيلها ودعمها ماليا، ومناطق تمركزها والقيادة التي تتبعها القوة المُزمعة، لأنها قد تخضع لقيادة القوات المسلحة الموجودة على أراضيها، خاصة أن ذلك يدخل في نطاق سيادة الدول، ولذلك حُسمت مسألة "القيادة الموحدة" للقوات لتعزيز بناء "منظومة دفاعية مشتركة" لتحقيق الأمن الجماعي للدول الأعضاء بتلك المنظومة، فخلال الأعوام الأربعة الماضية شهدت المنطقة تشكيل تحالفات عسكرية لمواجهة التهديدات التي تحاصر الدول العربية المحـورية المتماسكة التي لم تسقط في مستنقع الفوضى و"الدول الفاشلة".
ووسط الأجواء الإقليمية بالغة التعقيد والالتباس بلورت محادثات "سلمان والسيسي" مواقف البلدين المتناغمة، وأكدت تطوير المواقف السابقة حيال الأزمات المعقدة في سورية والعراق وليبيا واليمن، وصولا إلى تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب الذي انتشرت جماعاته بمسميات مختلفة في كثير من المناطق، إضافة إلى دعم التعاون المشترك قبيل مؤتمر دعم الاقتصاد المصري في شرم الشيخ المقرر من 13 حتى 15 الجاري.
أخيرا، تبقى الإشارة إلى مسألة بروتوكولية، لكنها تحمل "رسالة حاسمة" لـ"اللغط" الذي تُثيره بعض وسائل الإعلام والماكينة الإعلامية الموالية للإخوان، فقد استقبل الملك سلمان الرئيس السيسي في المطار، لتأكيد استمرارية العلاقات المميزة بين الدولتين المحوريتين، خاصة وسط "مناخ السيولة" السياسية والأمنية الممتدة عبر خارطة "المنطقة القلقة".