لا يمكن أن نستمر في التعامل مع كل الفئات التي تستهدف الأمن والاستقرار في وطننا على أنها مؤدلجة، وأن عليها أن تتحول بين عشية وضحاها إلى عقول حرة.
إذا لم يكن هناك مشروع وطني ذاتي "ينمذج" لعقول مماثلة التصور الحقيقي لأفعالهم، وإذا لم نقابل عقلية المؤدلج بأدلجة مماثلة فستستمر أغلب العقول في البحث عن جلباب، وإذا قسنا هذا الجلباب على فلسفة جورج بيركلي في أن العقل البشري لا يعدو أن يكون بيانا للروح فسنعرف وقتها حجم الجلباب وقدره.
فالتهاون في هذه الأمور، وعدم وضعها في إطار الدراسة الجادة، سيزيد من قوة كل من أراد بأوطاننا سوءا، وستُدار دفة الأمور تدريجيا بأسلحة العقل الفتاكة قبل تناثر الأجساد.
وهذا الاهتمام عليه أن يشمل أيضا المغتربين من مبتعثين وغيرهم. أولئك الذين ظننا أنهم قطعوا شوطا جيدا مثيرا بكل ما فيه قبل اغترابهم، وأنه كاف لصد أي تغريب عن هويتهم، وما حدث أنهم لم يجدوا ثوابت لتلك الهوية بداخلهم، لم تكن على أسس ثابتة وقوية، وراحوا يبحثون عنها في كل النداءات التي تُشعرهم بالانتماء وتحقق لأرواحهم السكينة.
العقول "المجلببة" -إن صح التعبير- حتى حينما أثيرت قضايا الاختلاف البسيطة ككشف وجه المرأة، وحكم سماع الغناء... إلخ، لم تظهر إلا مشنوقة على مفاهيم التعصب التي تضع المجتمع وقضاياه في قسمين أبيض وأسود. مهووسة بفكرة احتكار الصحيح والصواب. حتى الضربات التي وجهتها كانت ضربات عمياء، لا تميز، ترمي باتهاماتها كطفل يرشق الحجارة.
فما الذي كانت ستفعله في ظروف واختلافات أعمق وأكبر؟.
وكعادة الاستثمار، يثمر بقدر ونوع الجهد والعمل، لا فقط بالنية والاستمطار.
وكعادة الاستثمار، تمتد إليه ألف يد دخيلة لتنال من النجاح والوطن والأمان وكعادة الاستثمار، تشبه فروعه أصوله، وإن ابتعدت وتفرعت، "ولا أظن عود الورد يثمر تنباكا".