يستحيل على أي دولة في العالم التصدي لتيارات الإعلام الجارفة، وتحصين مواطنيها ضد الحملات الإعلامية المغرضة، إلا إذا امتلكت هذه الدولة خطابا إعلاميا واعيا ومبتكرا، يتجاوز العاطفة ويبتعد عن النمطية، خالياً من الإثارة وجلد الذات ونشر العيوب وإثارة الأحقاد. ونحن في المملكة كجزء لا يتجزأ من القرية الكونية المتخمة بالإعلام الموجه في أمس الحاجة لسياسة إعلامية متطورة تتحصن بالمعرفة وتتصدى للحداثة وتصارع كل من يحاول تشويه الصورة.

وكما غاب إعلامنا بالأمس عما حققته المملكة في عضويتها بمجموعة العشرين الأكثر تأثيرا في الاقتصاد العالمي، يغيب إعلامنا اليوم عما جنته سياستنا المعتدلة بمنظمة أوبك الأعظم تأثيرا في أسعار النفط. ويتغيب أيضا عن تصنيف مجلة "أميركان إنترست" الذي أكد في الأسبوع الماضي صعود المملكة إلى المرتبة السابعة ضمن قائمة أقوى دول العالم في التأثير السياسي والاقتصادي، لتكون رسالة قوية ودلالة واضحة على قدرة السعودية في التأثير على الأوضاع المضطربة في المنطقة العربية.

أين إعلامنا مما حققته المملكة في نهاية العام الماضي من صعود لافت للأنظار بتصنيفها الائتماني المميز في مؤسسات "فيتش" و"ستاندرد أند بورز"؟ الذي أشاد بالنظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد السعودي، ومستوى مناعته وقدرته على مواجهة الأزمات المالية التي تعتري الاقتصاد العالمي. وهذه شهادة عالمية تؤهل مؤسساتنا لفرص الاقتراض من أسواق المال والصناديق العالمية بشروط أفضلية مبعثها قوة الملاءة المالية للمملكة وقدرتها على السداد. كما تمنح الشركات العالمية التي تعتزم دخول السوق السعودي القدرة على ضخ استثماراتها وتنمية أصولها وتحقيق عوائدها، خاصة وأن سوقنا المالية تعد أكبر سوق عربية وأكثرها تنوعا في منتجات الاستثمار بالأسهم والطروحات الأولية التي لم تنقطع وتيرتها في أشد أوقات الأزمات المالية لأسواق العالم.

أين إعلامنا من تثقيف المواطنين حول مواقفنا الثابتة أمام تحديات الأزمات المالية المتتابعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي؟ حيث احتفظت المملكة بمكانتها على قمة القوة المالية لدول العالم، مستفيدة من فوائضها النفطية وتصميمها على مواصلة الإنفاق على مشاريعها التنموية، مع تجنب ضخ أموالها في الأهداف الاستهلاكية مثل زيادة الرواتب أو توزيع الهبات. لذا تفوقت المملكة بملاءتها الائتمانية على اليابان والصين وإيطاليا، لتحقق أقوى موقف مالي دائن بين كافة الدول الخاضعة لتصنيف الوكالات.

أين إعلامنا من توضيح أهداف احتفاظنا بودائع مصرفية تفوق 59% من ناتجنا المحلي الإجمالي؟ وهذا يعني أن المملكة تدخر أكثر من نصف ناتج اقتصادها السنوي على شكل سيولة مالية تمكنها من استخدامها لمجابهة الأزمات، خاصة وأن المملكة ليست لديها ديون سيادية خارجية، وأن الدين الحكومي العام يقل عن 1% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن لدى البنوك السعودية مخصصات محتجزة تغطي قيمة القروض المتعثرة، إن وجدت، بنسبة تزيد عن 160%، بينما يبلغ معدل كفاية رأس المال في المصارف السعودية حوالى 18% وهو أعلى من المعدل العالمي البالغ 12%.

أين إعلامنا مما حققناه في نهاية العام الماضي من موقع مميز على مؤشر الرفاهية لمنظمة (ليغاتوم) البريطانية؟ حيث قفزت المملكة إلى المرتبة 47 من بين 142 دولة حول العالم، وتفوقت بذلك على بلغاريا والبرازيل والصين واليونان ورومانيا والمكسيك. بل أين إعلامنا ليوضح أن مفهوم الرفاهية لا يعني زيادة الرواتب ومنح الهبات؟ بل هو نتيجة لتقييم مستوى الأمن في بلادنا، وعدم فرض الضرائب والأتاوات على مواطنينا، وتسخير الحياة الكريمة في مجتمعاتنا.

أين إعلامنا ليشرح نجاح قطاع الاتصالات السعودي بعد أن كشف تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات (أي.تي.يو) عن نتائج قياس تقدم المجتمع المعلوماتي في 166 دولة من دول العالم لعام 2014، حيث جاءت السعودية ضمن مجموعة "أكثر الدول نشاطا" في الاتصالات وتقنية المعلومات؟ كما سجلت المملكة تحسنا ملموسا في تصنيفها على مؤشر تنمية الاتصالات (أي.دي.أي) لتحقق المرتبة الثالثة كأكثر الدول استخداما للهواتف الذكية في العالم، بينما جاءت كوريا الجنوبية في المركز الرابع وأميركا في المرتبة 13.

أين إعلامنا مما حققته المملكة من تقدم ملموس في تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2014؟ حيث قفزت السعودية 23 مرتبة لتتبوأ المركز الـ34 عالميا مقارنة بالمركز الـ57 في تقرير عام 2013. وبذلك انضمت المملكة إلى مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جدا. كما تبوأت المملكة المركز الثاني عربيا وخليجيا والمركز العاشر في مجموعة العشرين. وهذا أدى إلى تحسن مركزنا بأعلى من المعدل العالمي وبوتيرة أفضل من معدل تحسن ترتيب مجموعات الدول الأخرى.

أين إعلامنا من المسح الذي أجرته وكالة "بلومبرج" العالمية الذي أكد أن المملكة حققت في العام الجاري المرتبة الـ13 من بين أكثر الاقتصادات العالمية نموا؟ متقدمة بذلك تسعة مراكز عما كانت عليه في العام السابق، وأنه من المتوقع أن يستمر نمو اقتصادنا في العام الحالي. بل أين إعلامنا من نتائج التقارير الشهرية لاتحاد البورصات العالمية الذي أوضح أنه على الرغم من تراجع القيمة السوقية لسوق المال السعودية من 602 مليار إلى 590 مليار دولار، إلا أنها استمرت في مرتبتها الأولى إقليميا وخليجيا وتقدمت للمركز الـ21 عالميا، متجاوزة بمرتبتها قيمة الأسواق الروسية والمكسيكية والماليزية؟ وعلى صعيد قيم التداول الشهرية، فقد حققت السوق السعودية المركز الـ17 عالميا متقدمة بذلك على قيمة تداولات كل من الأسواق التايلاندية والتركية والتايوانية.

أين إعلامنا الغائب في عصر العولمة والمعلوماتية؟