الرجل السعودي هو الأكثر مهارة في رياضة العدو السريع عبر الحواجز. قوانين هذه الرياضة تحدد مسافة 110م لسباق العدو القياسي و400 م للمسافات الطويلة يجتاز خلالها العداء 10 حواجز، بينما هذه الرياضة تبدو شاقة لأكثر المحترفين فيها، إلا أن الرجل السعودي يسخر من ليونتها ويعدها مجرد ترفيه، فهو منذ عقود يعدو قافزا مئات الحواجز.
يستجمع عداؤو العالم طاقاتهم للفوز في سباق 400م حواجز بينما الرجل السعودي حولها من 400م كحد أقصى إلى ماراثون طويل متجاوزا آلاف الكيلومترات من سباق قفز الحواجز دون أن يلتفت إليه أحد، دون أن يصل خط النهاية، ودون أن ترفع راية الانتصار.
بعض الحواجز عالية وعريضة يقفزها بشراسة ليتجاوزها إلا أنه لا أحد يحتفي بقفزته، يستمر في العدو السريع. يترقب قفز الحاجز التالي.
كثير من الحواجز تجاوزها الرجل السعودي في هذا الماراثون الطويل الذي لا نهاية له ولا ميداليات ولا جمهور ولا أولمبياد يستضيفه ويرعاه، فهذا الرجل تجاوز -في الماضي- حاجز تحريم البرق والبريد والهاتف في عهد الملك عبدالعزيز، وحاجز محاربة تعليم المرأة في عهد الملك سعود والملك فيصل. ورغم كل تلك الحواجز إلا أنني حين بدأت مشاركتي في ماراثون قفز الحواجز السعودي في عهد الملك فهد في 1994 لم أجد المشاركين مرهقين حينها بل كانوا سعداء بانضمامي إليهم وبدأوا يعلمونني بخبرتهم كيف لي أن أجتاز الحواجز بسرعة وثبات.
كان الحاجز الأول بالنسبة لي هو "الدش" الطبق الفضائي الذي انتشرت المنشورات في كل مكان تحذر منه، كنت أحد طلاب حلقة تحفيظ القرآن في المسجد الذين طلب منهم معلم الحلقة أن يقفوا على عتبة باب المسجد بعد صلاة المغرب لتوزيع مطويات طبع على غلافها "دش" كأخطبوط عملاق أسود جاثم فوق منزل! وفي أسفل الصورة دماء وفتاة محجبة تبدو من هيئتها أنها تبكي عذريتها، وأب يلعن زمن "الدش" وضياع أسرته، كنت أوزعها مع زملائي طلاب الحلقة، وأنا الذي كنت قبلها بساعات أشاهد إحدى حلقات مسلسلي الكرتوني المفضل على قناة "سبيس تون".
أوزعها وأنا أشعر بأني أعدو بكل طاقتي وسرعتي في ميدان سباق قفز الحواجز مترقبا حاجز "الدش" الذي أمامي. هل سأستسلم للحاجز وأعلن خسارتي أم أقفزه بكل جسارة؟ قفزنا هذا الحاجز رغم صعوبته حينها وكأن شيئا لم يكن، حتى المعلم الذي أمرنا أن نوزع منشورات التحذير على المصلين على عتبة المسجد تجاوز هذا الحاجز، وهو الآن يغرد في "تويتر" مناقشا آخر قضايا برنامج لقاء الجمعة و"يمنشن" عبدالعزيز قاسم وعلي العلياني بعد كل حلقة من برنامجي "حراك" و"يا هلا".
ذهب الخجل الذي يعتلي وجوه السعوديين من أن يظهر طبق الدش للجيران، بل أصبح كل بيت يبرز طبقه الفضائي معلنا انتصاره بأنه قفز حاجز "الدش". أصبح هذا الحاجز سهلا ومثار سخرية للذين لم يستطيعوا تجاوزه حتى الآن. لم يستمر وقت طويل من قفز الرجل السعودي لحاجز "الدش" حتى بات يترقب الحاجز القادم، وكان أقل صعوبة ولكنه كالفخ يظهر سهولته وهو عسير، وكان عبارة عن جهاز هاتف ملحق به كاميرا. انتشرت أيضا منشورات التحذير في تلك الفترة من مخاطر هذا الجهاز على عفة البنات وعلى ستر البيت، وأن من يرضاه لأخته وابنته وزوجته فهو قليل المروءة والغيرة.
وأتساءل الآن: الرجل الذي كان يحذر من قفز حاجز جوال الكاميرا ويحذر من مخاطره، كم جهازا ذكيا في منزله بين يدي بناته وأطفاله وزوجته الآن؟ وهل يرى أن نقاش وتواصل الأسرة على قروب في برنامج "واتساب" خطر يهدد كيان الأسرة وعفتها أم إنه لا ضير في ذلك؟
ما زال حتى الآن الرجل السعودي مستمرا في قفز الحواجز، وهو أخطر عداء على وجه الأرض، يملك لياقة عالية ومظهرا خادعا، توحي "كرشته" دائما بأنه غير قادر على العدو فكيف بالقفز؟ ولكنه يعدو ويقفز بمهارة.
يهجم على الحاجز بالقفز من على مسافة 7 أقدام ويمد باحتراف ساقه بانحناء إلى حد ما "لأنه يعرف تماما أن الساق المستقيمة تستغرق وقتا أطول لاجتياز الحاجز".
يملك خبرات تسع كل الراغبين في ممارسة هذه الرياضة. يستطيع أن يعلم العالم كيف تتغير الإجازة الأسبوعية من الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت بقفزة واحدة صغيرة. يستطيع أن يلقن كل برلمانات العالم كيف أن المرأة تستطيع أن تشارك في صنع القرارات الوطنية بانضمامها إلى البرلمان أو مجلس الشورى في قفزة صغيرة.
أصبح لدى الرجل السعودي القدرة الخارقة لقفز أي حاجز يواجهه في المستقبل القريب أو البعيد، ومهما بلغت الحواجز القادمة صعوبة، ومهما ارتفعت إلا أن الرجل السعودي بوسعه أن يقفزها وكأنها لم تكن شيئا.
وأهم نصيحة يقدمها للمشاركين في هذا الماراثون هو تجنب الخطوة المتأنية عند قفز الحواجز التي مهما قل الوقت الذي تستغرقه إلا أنها تكلف وقتا ثمينا للغاية.