- 1 -
ممتع وجميل أن يكون للمرء وطنان.. "وطن" هنا ... و"وطن" هناك..
كلاهما صاخب ومحمّل بالدفء، كلاهما يشق الطريق إلى حيث الضوء.. ويبحث عن الوصول..
"وطن" يعرّش بالنبض... وآخر يعرش في الحرف.. وحين تزداد حدّة الحوار بينهما، يعرشان معا وينبضان في خلايا يموج فيها الجنون.
- 2 -
واحد تكتب عنه، تسافر إليه.. تعود منه... قد يرفضك لحظة.. وقد يلفظك أخرى..
محال أن تغضبَ منه.. وتشيح بوجهك عنه، تظل ملتصقا به لأنه وطنـك..
- 3 -
وآخر تكتب فيه اليوم، بعد رحلة عقد حافل بالتحولات.. وصناعة التغيير والسهر الموجع بالهواجس والمتعة الكامنة في أن تكون "الوطن" أولا دائما...
- 4 -
لم يعد الناس يتحدثون عن "الوطن" الكبير الذي تملأ ذاكرتك الشعارات الرنانة وهي تمجده منذ زمن القوميات والنضال اليعربي ومناهضة الإمبريالية.. تلك الإمبريالية التي أُتخمت بها أذهاننا في طفولتنا وصبانا، ولم يعد لها ذكر في مفردات سياسيي الزمن الحديث.
- 5 -
بعض الأوطان لها حدود.. وهناك أوطان ليس لها حدود، وجاء عصر التكنولوجيا ليمنح "الوطن" أبعاداً تمتد إلى ما بعد المدى، فصارت "الوطن" تسافر للجهات الأربع محمّلة بالتنوع وألوان قوس قزح.. تسافر بدون تأشيرة أو جواز سفر، هي كتلة بشرية تظهر كل صباح على شكل ورق يكاد يثب من جموح الكلمات، وقبل الصباح تخترق الفضاءات والأسلاك لتصل عبر شاشة وكيبورد..
- 6 -
يتغيرون... يبتعدون ويظلون قريبين فـ"الوطن" في حالة استمرارية.. والطريق أوضح من مرآة والهدف نبيل ونقي.. وقضايا النور لن تتوقف ما دام مركب "الوطن" يمخر عباب الغد.
- 7 -
ثمة "وطن" آخر يلوذ المرء له حين يجتاحه البرد.. وطن هائل بحجم "قلب أنثى".. يحتضنه فيمنحه الإحساس بالوطن وقتَ اختراق المسامات بهمسات حانية تنعشه وتعطره برائحة المطر.
ولكن، ما أقسى البرد حين يبحث المرء حواليه فلا يجد "قلب أنثاه".. ربما تكون الرحلة اقتربت من النهاية.. وربما هي تحدٍّ جديد ليعلن بداية البداية، فما بين الوطن والأنثى هناك من يتأمل، وهناك أنثى تنتظر وطناً.