بعد أكثر من شهر على الغارات المكثفة إلى المختبرات والعيادات خرجت بما يلي: ينصحني الأطباء بالامتناع عن الدهون والبقوليات والنشويات والكربوهيدرات والسكريات والموالح والفلافل وأصناف الخبز. بعد الظهر تنصحني زوجتي ومن ثم أطفالي وأشقائي المخلصون "لصحتي" بالبعد عن التوتر والضغوط والعصبية الزائدة عن الحد. في المساء نفسه يشير إلي زملائي من الوسط الثقافي بالتوقف عن المشاكسة والجدال حول القضايا الكتابية وبالامتناع عن خوض المعارك الكتابية التي تثير كل هذا التدهور المخيف في صحتي العامة.

ولكل هؤلاء سأقول: لن أسمح أبدا أبدا أبدا بآخر عضو من الجهاز الهضمي بأن يسيطر على الدماغ والجمجمة. لم يترك لي الأطباء من شيء يستحق الأكل سوى "نشارة الخشب" وشيء من "الخس" والفجل البارد. أنا، مثلا لا أستطيع أن أتخلى عن "مازن" في سنته النهائية بكلية الطب، ولا عن "سارة" وهي تدخل اختبار "قياس" تحت دعوى تجاهل الضغط والتوتر. أنا لن أستطيع التخلي عن كل شؤون عائلتي ومن ثم رميها تحت أو فوق أكتاف "أم مازن" التي تدير كل مفاصل حياتنا، من الحسابات البنكية إلى شراء البصل منذ عشرين سنة. بكل الاختصار لن أسمح لهيجان "القولون العصبي" وآلامه المبرحة أن يسلبني كل قراراتي وأن يكون "القولون" بديلا عن "الدماغ" ليدخل ميداني في الوقت الضائع. لن أسمح لهذا "القولون" أن يهمل "مازن" أو "يتجاهل" سارة. لن أسمح له أبدا أن يكسر القلم ويحرق الورقة فوق مكتبي كي أغيب في القادم من الأيام عن الكتابة مثلما هزمني أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة. أنا لن أعيش على نشارة الخشب مثلما هي نصيحة الطبيب أو على التجاهل لقصص حياتي اليومية مثلما تقول الزوجة والأشقاء والمعارف. لن أستسلم أبدا لنصح الأصدقاء بأن الكتابة جزء من المشكلة لأنني أعرف تماما أن مشواري مع القلم والورقة أيام طويلة من الانتصار مثلما هو أيضا بضع محطات قصيرة مع الهزيمة وكسر العظم.