أعتقد بحزم وثقة، أن لدينا خللا واضحا في تحليل واستقبال الفكرة الجهنمية لما يسمى "داعش" وتصورا مخلا في تقييم "التصور" الأساسي للهيكل البنائي الذي يقوم عليه هذا التنظيم. نحن لدينا تصور خاطئ تماما أن داعش هي الجيل الثاني من رحم "القاعدة" وأنها تنظيم متطور ولد من رحم تنظيم سابق وهذا تحليل يأخذنا للاستنتاج المغلوط. خذ مثلا هذه الشواهد: لدينا تصور خاطئ مغلوط بأن الوجود السعودي والخليجي يشكل عصبا جوهريا في تنظيم داعش، لأننا بنينا هذا المفهوم عطفا على أن هذا "التواجد" كان وما زال يشكل بنية وهيكل "القاعدة". لكن الشواهد تبرهن أن "داعش" يعمل بهيكل وبنية مختلفة.
خذ ما يلي: الأرقام، وعلى أقلها تحفظا تقول إن مئتي داعشي يتسللون يوميا إلى قلب تنظيم داعش وأكثر من 80% من هؤلاء الجدد هم أبناء الأجيال اللاحقة من المسلمين الأوروبيين، أو أوروبيون، شبان من حديثي العهد بهذا الدين.
تحليل هذه الأرقام إما يشير إلى أن "داعش" صنيعة استخباراتية محكمة أو أنها ولادة سخط عارم، لأجيال أوروبية مسلمة جديدة ضاعت بين مفهومي "الاندماج والهوية" وهو مرض اجتماعي بالغ الخطورة كتبت حوله آلاف الأبحاث والكتب. خذ مثلا هذه الشواهد: الذي يصور أفلام الذبح الداعشي هم ثلاثة شبان من البرتغال. جزار "داعش" الشهير هو شاب بريطاني اسمه "محمد لموازي". جهاز داعش المعلوماتي المرعب هم ثلاثة شباب من جنوب فرنسا وجيشها التقني المسؤول عن التفجير وإحداث الصدمة الهائلة هم بضعة شباب من الجالية المسلمة الهولندية. وهنا لا بد من سؤال الاستقصاء للتحليل العميق: كيف تكون الأذرعة المعلوماتية والتقنية والتصويرية والتنفيذية أيضا من مجتمعات ومن ثقافة ومرجعية مختلفة عن طابور وكتائب القوة البشرية للتنظيم؟ كيف يكون جسد التنظيم مختلفا في المرجعية والأصل، عن اليدين والأذرع والدماغ؟ وجوابي الأخير أن الميليشيا و"الغوريلا" والعصابات لا تعمل بمثل هذا الزواج القسري بين أعضاء من منظومتين متباينتين.
الخلاصة أن "داعش" تحتاج من اليوم لرؤى تحليلية تنسف كل ما سبق. نحن لم نكتشف بعد هيكل وبنية التنظيم، وأشك أن هناك من لا يريد لنا كشفه.