ظاهرة الفنانة التشكيلية ثريا آل غالب تحتاج إلى المزيد من الدراسة فلقد حققت انطلاقة متميزة من عالم الواقعية إلى عالم التجريد عندما سلطت منصات صواريخ إبداعها إلى التجريد المدروس، وكأنها بتلك التجربة تلقي بالكرة في ملعب المشاهد وهي تعلن أن اللوحة لم تعد ملكا لها بعد الانتهاء منها ليراها المتلقي كيفما يشاء بنتاج خبرة وتجارب طويلة خاطبت فيها الروح بالجمال المتمثل في تجربتين سابقتين عن ( الخيول العربية) و (الشرائط الضوئية) والإصرار على مخاطبة العقل والوجدان في أعمالها الأخيرة التي تمثلت في ضربات سريعة لفرشاتها على مسطح اللوحة حتى عقدت صلحا بين إبداعها وبين الطبيعة.. فجردتها كما شاءت وكأنها تنهي مرحلة من مراحل صرامة الواقعية إلى نزق التجريدية كحالة حركية متدفقة تصوغ انفعال المتلقي بهذه الطاقة لحركة التكوين التشكيلي واتجاهات الكتل اللونية وخطوطها وخلق حالة من الحوار المستمر بين الصلابة والسيولة والثبات والطفرة.. كأنها تنوي إنعاش ذاكرة المتلقي البصرية في تجربتها الجديدة المليئة بالجرأة والعنفوان، بعد أن أعلنت عن نفسها كواحدة من مبدعات جيلها في عالم الواقعية أهلتها للتحرك الممنهج لعالم التجريد بمعنى التحول من النمطية التشخيصية للفن الكلاسيكي إلى الرؤية الذاتية في العمل التجريدي ولا يعني ذلك ممارسة القطيعة والإذعان للحداثة، بل الانتقال إلى التطور الحديث وتحقيق هاجس الفرادة ، والاستفادة من هذا الانفتاح على الفنون التي تخاطب اللا وعي والإدراك الحسي للمتلقي .. وتلك نتيجة طبيعية لمشاركات في معارض محلية وورش دولية رسخت تجربتها ثريا آل غالب التي تحكي مسيرتها عن فوزها بالمركز الأول في معرض الواعدات بأتيليه جدة عام 2005 م لتواصل طموحها وتشارك في معظم المعارض الجماعية وتعلن عن نفسها بأول معارضها في (تياترو جدة) في عامي 2011 و 2013 .. في تجربة الخيول العربية والشرائط الضوئية كأول فنانة تخوض غمار هذه التجربة بين جيلها والتي رسخت واقعيتها وقدرتها على التمكن والاشتراك مع فنانين عالميين في مهرجان أوستراكا الدولي بشرم الشيخ عام 2012 . حققت الفنانة في أعمالها الأخيرة نوعا من التوازن بين التكوين التجريدي ذي الصبغة التعبيرية ومقتضيات المجموعة اللونية الباردة ونظيرتها الدافئة حيث تجلى الحس في اللون والحركة والخيال، وأهم ما ميزها هو عدم الجنوح إلى البهرجة اللونية والاكتفاء بـ (باليته لونية) محددة تحقق مآربها على مسطح اللوحة ورؤيتها الفنية محافظة بذلك على البنيان التشكيلي والربط بين العناصر جميعها والوصول إلى (الفن الخالص) كما ذهب (موندريان) في تعريفه لعالم التجريد و (بول كلي) في الكشف عن العالم الغيبي في الفن التشكيلي وتلخيص الطبيعة من خلال التكوين الممنهج لعناصر التركيب للوحة. أعمال الفنانة دلت بوضوح على أنها وليدة بيئتها فتأثرت بموروثاتها ما ساهم في اتساع مداركها ونضوج تجربتها والتفاعل مع البيئة والتراث، كل ذلك أهلها لمرحلة انتقالية بالتجريب أحيانا وبالمشاهدات والمشاركات أحيانا أخرى.