شهدت الأزمة اليمنية انفراجا واضحا هذا الأسبوع حين تمكن يوم الجمعة الماضي "20 فبراير" الرئيس عبدربه منصور هادي من الإفلات من مختطفيه الحوثيين والوصول إلى عدن، العاصمة الشتوية لليمن.

وكانت الميليشيات الحوثية قد احتجزت الرئيس في 21 يناير 2015، ووضعته رهن الإقامة الجبرية بعد أن رفض الاستمرار في تمرير قراراتهم. وأدان مجلس التعاون في حينه، ومجلس الأمن، وعدد كبير من الدول احتجاز الرئيس وطالبوا بالإفراج عنه فورا، ولكن الحوثيين رفضوا هذه المطالبات.

في اليوم التالي "21 فبراير" أصدر الرئيس بيانا حاسما، يضع النقاط على الحروف، ويوضح بعض الملابسات ويزيل سوء الفهم للأحداث التي وقعت في اليمن خلال الأشهر الماضية.

وصف الرئيس ما قام به الحوثيون منذ 21 سبتمبر 2014 "يوم احتلالهم صنعاء" بالانقلاب، وأشار إلى أنه بعد سقوط صنعاء قام الحوثيون بإجراءات هدفها مصادرة الإرادة الحرة لليمن و"صبغها بلون واحد"، "وحاولت تمزيق لحمتها الوطنية ونسيجها الاجتماعي الواحد في سابقة لم يعشها اليمنيون في تاريخهم المعاصر من قبل".

وباستخدام القوة والتهديد، أجبر الحوثيون الرئيس وغيره من المسؤولين على اتخاذ قرارات لا تعكس إرادتهم الحرة، بل تهدف إلى شرعنة الانقلاب وإضعاف معارضيه، واستمر ذلك من 21 سبتمبر 2014 وحتى الآن.

ولذلك، أعلن الرئيس أنه "يؤكد بصورة جلية أن كل الخطوات والإجراءات والتعيينات التي اتخذت خارج إطار الشرعية منذ ذلك التاريخ باطلة لا شرعية لها". ذلك أنه في كل التقاليد القانونية لا يترتب على القرارات التي تُتّخذ بالإكراه أو الضغط والتهديد أي أثر قانوني، ويحق لمن صدرت عنه إلغاءها في أي وقت.

بدأت نوايا الحوثيين الانقلابية في الاتضاح بعد اختتام مؤتمر الحوار الوطني والبدء في تنفيذ مخرجاته. ومن المفارقات أن الحوثيين كانوا جزءا من ذلك الحوار الذي استمر نحو عام كامل، وجزءا من التوافق الذي بُنيت عليه تلك المخرجات.

وحسب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي توافق عليها اليمنيون وأقرها مجلس الأمن الدولي، فقد كانت الخطوات التالية لمؤتمر الحوار هي إعداد مسودة الدستور، وإقراره في استفتاء عام، ثم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

ولكن يبدو أن نجاح الحوار أسقط في أيدي الحوثيين، لأن رغبتهم الحقيقية كانت في فرض إرادتهم بالقوة. فاجتاحوا عمران في يوليو الماضي واستولوا على أسلحة الجيش فيها، ثم اجتاحوا صنعاء في 21 سبتمبر، واستولوا على مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، بما في ذلك وسائل الإعلام الرسمية، وخلقوا حالة من الفوضى في اليمن، فاغتيل عدد من القادة السياسيين وفر بعضهم ونُهبت منازلهم ومكاتبهم، واختطف البعض الآخر، فضلا عن الاعتداءات المتكررة على الصحفيين والمواطنين العاديين.

وتجرأ الحوثيون فاحتجزوا الرئيس هادي ورئيس وزرائه خالد بحاح، وعددا من الوزراء وكبار المسؤولين، ثم أصدروا ما سمّوه بـ"الإعلان الدستوري"، وهو ليس دستوريا لأنه لم يصدر عن جهة مخولة بذلك، وسعوا إلى عقد "حوار" جديد حسب قواعدهم، شارك فيه بعض الأحزاب خوفا أو طمعا، ولكن هذا الحوار فشل مرات عدة، واستغل الحوثيون فشله كل مرة لتشديد قبضتهم على العملية السياسية.

وأُجبر الرئيس والوزراء، خلال ذلك كله، على اتخاذ قرارات تحت التهديد، ثم قدم الرئيس استقالته في تلك الظروف.

وحسب القانون اليمني، لا تصبح هذه الاستقالة نافذة إلا بعد قبولها من البرلمان، ولكن محاولات عقد البرلمان فشلت حتى الآن، فلم تدخل الاستقالة حيز التنفيذ. وقد أعلن الرئيس في بيانه هذا الأسبوع سحب استقالته واستئنافه ممارسة صلاحياته الدستورية، وأبلغ البرلمان بذلك.

وأعلن الرئيس هادي كذلك عزمه على استئناف العملية السياسية الانتقالية التي توقفت بعد الغزو الحوثي لصنعاء، فدعا إلى انعقاد اجتماع لـ"الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار" في مدينة عدن أو محافظة تعز، وذلك "لحين عودة العاصمة صنعاء إلى الحاضنة الوطنية كعاصمة آمنة لكل اليمنيين وخروج كل الميليشيات المسلحة منها".

وأمر الرئيس بإطلاق سراح رئيس الوزراء والوزراء والمسؤولين الآخرين الذين يحتجزهم الحوثيون، ودعا "كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية إلى الالتزام بقرارات الشرعية الدستورية وحمايتها وفي المقدمة من ذلك أبناء القوات المسلحة والأمن"، في إشارة إلى تمرد بعض الفصائل العسكرية والأمنية وانصياعها لأوامر الحوثيين.

وتنفس المجتمع الدولي الصعداء بعودة الشرعية في اليمن، واستئناف الرئيس ممارسة صلاحياته الدستورية، فرحب مجلس التعاون في بيان له يوم 23 فبراير بإفلاته من قبضة الحوثيين، ودعا "أبناء الشعب اليمني وكل القوى السياسية والاجتماعية إلى الالتفاف حول فخامة الرئيس ودعمه في ممارسة جميع مهماته الدستورية من أجل إخراج اليمن من الوضع الخطير الذي أوصله إليه الحوثيون. كما تؤكد دول المجلس دعمها لدفع العملية السياسية السلمية وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني".

وفي الوقت نفسه فقد أربك خروج هادي من الأسر ووصوله إلى عدن واستئنافه ممارسة صلاحياته كرئيس لليمن مخططات الحوثيين وحساباتهم، فاختطفوا بعض أقارب الرئيس ووزرائه، ليُضافوا إلى المحتجزين السابقين.

وباءت بالفشل محاولات الحوثيين في استكمال "الحوار" الصوري مع بعض القوى السياسية، فأعلن بعضهم تأييدهم للرئيس هادي وانسحب بعضهم من الحوار، وقرر ممثلو بعض تلك القوى زيارة عدن لمقابلة الرئيس هادي.

وبذلك أصبح في اليمن حكومة شرعية كاملة الأهلية لأول مرة منذ 21 سبتمبر 2014، حين استباح الحوثيون صنعاء واستولوا على مؤسسات الدولة فيها. ومن المطلوب الآن أن يدعم المجتمع الدولي هذه الحكومة، كي تتمكن من تقديم الخدمات الأساسية للشعب اليمني الذي تضرر من الانقلاب الحوثي، وتستطيع مساندة المناطق التي تقاوم الآن التمدد الحوثي، إلى أن يتم تحرير صنعاء وخروج الميليشيات منها.