كنت أسمع وأنا صغير ما يتم تداوله في بعض المجالس من همز ولمز عن بعض الأشخاص الذين يدخلون المجالس فتتغير إسطوانة الكلام ويتغير مجرى الحديث ليأخذ مسارا مغايرا تماما لما كان يدور قبل دخول هذا "الشخص".

بعد حين من الزمن بدأت أدرك أن بعض الصوالين تنكمش من روادها أو من جدلها بسبب وجود شخص مشتبه في كونه يعمل في "المباحث"، والناس تخشى من أنه يسجل كلامهم أو يرفع تقريرا بالأسماء عن بعض من قدر هذا الشخص أنهم يشكلون خطرا على الأمن الوطني، وقد يكون الكلام المرصود – وهذا في الغالب- مجرد تحليل أو توقع أو قراءة لما يحدث في الساحة العربية وربما يفكر البعض بصوت مسموع، لكن دون أي نوايا أو خبايا سيئة، لكن رجل المباحث هو بالمقابل – كما كنا نسمع - مطالب بأن يظهر لمدرائه أنه يؤدي عمله كما يجب وأنه يقوم بالجولات الميدانية وأنه يغشى مجالس المثقفين ليرصد أفكارهم وتطلعاتهم وقد تدفعه هذه المتابعة من مدرائه إلى افتعال القصص وتهويلها.

وكان المجتمع يتعارف على مثل هؤلاء بعبارة "الدبابيس" وقد كان لهم هيئة وسمت وطريقة تلفت النظر إليهم وتثير الشكوك بهم مما يدفع الناس إلى اعتزالهم ونبذهم، وعدم الترحيب بتواجدهم ولهذا كان البعض يتعمد الصمت حتى يخرج هذا الدبوس من مجلسهم، لكن بعض الصرحاء يعمد إلى أن يجهر بالإعلان عن أن "فلان" والموجود معنا مباحث ثم يتم توجيه الكلام إليه باللوم، وأنه لن يكون أحرص على الوطن منهم على نحو يحرج هذا المشبوه فيضطر إلى دفع التهمة وإبراء ساحته لكنه يعمد –لاحقا- إلى التسرب وهجر هذا المجلس على أن دائرة الاشتباه اتسعت بشكل تسبب في إدخال من ليس لهم علاقة بالتجسس في هذه الشبهة ثم تطور الأمر من الاشتباه في الشخص بسبب كثرة أسئلته وفضوله الزائد وتدخله فيما لا يعنيه إلى المظهر الشكلي ونوع الغترة، حيث شاع عند الناس أن عملاء المباحث يلبسون "الشماغ" البرتقالي ولطالما تم تحذيري أثناء وجودي في ملعب الكرة أشاهد المباراة من هؤلاء "المستشمغين" الذين حضروا للمباراة كما يقال يبحثون عن "صيدة" ولا أعلم حتى الآن ما صحة هذا التوجس؟ وما الذي سيجده مندوب المباحث من جمهور جاء يلاحق الكرة والأقدام تتقاذفها يمينا وشمالا وصعودا وهبوطا.

ثم شاع عند الناس مصطلح "بدل سمعة" وهو البدل المالي الذي يقال إنه يصرف لهذا العميل الذي تتضرر سمعته ويهجره الناس لو انكشف أمره أو تم الاشتباه بضلوعه في هذا العمل.

تذكرت تلك المرحلة التي مرت والمخاوف التي لم تعد موجودة نسبة لارتفاع هامش الحرية الفردية في أن يعبر وينفس ويقول ما يشاء طالما أن هدفه الأبعد هو الإصلاح من منطلق الإخلاص والغيرة الوطنية.

والخلاصة أننا صرنا جميعا كعرب ويهمني هنا كوننا سعوديين في حاجة إلى "بدل السمعة" عندما نتغرب أو نسافر خارج الوطن، إما بسبب السياحة أو العلاج أو التعليم، وذلك كله بسبب هؤلاء الشباب الذين خرجوا بحجة الجهاد (المغلوب على أمره) وانضموا إلى عصابات القاعدة أو النصرة أو داعش وممن تورطوا في جرائم التفجير والقتل والسحل، إضافة إلى جرائم التخطيط والتمويل والتكفير.

إننا نحمل أوزارا تم تحميلنا إياها بسبب هذه "المروقات" والخروج عن هدي العلماء الشرعيين المعتمدين والاتكال على "العملاء" الذين يدفعون أبناءنا إلى المحرقة ورغبة في توريط وطننا في القلاقل لتحقيق أهداف مشبوهة للسيطرة من قبل بعض الدول المجاورة.

لكن رغم كل الكيد العظيم والاستهداف المبين لهذا الوطن الكريم وأهله إلا أن كل هذا التآمر سيبوء بالخيبة لأن "لهذا البيت رب يحميه".