يستفزني كثيرا مستوى الركاكة الذي وصلت إليه كلمات الأغاني هذه الأيام، ففي الوقت الذي تميزت الأغنية في الماضي بالنصوص الغنائية الجميلة والراقية، والتي كانت عنصرا أساسيا في نجاح الأغنية وبقائها حتى الآن، ترددها الأجيال، عانت العديد من أغاني اليوم من الركاكة والضعف والسطحية والتكرار وتواضع المعاني والصور الفنية.

أصوات كثيرة جميلة وغير جميلة اتفقت جميعها على سمة واحدة أصبحت سمة لهذا العصر، وهي غناء كلام ضعيف مكرور مستهلك يغنيه المطربون من 100 سنة، خال من الفن والإبداع.

ولا أدري السبب الحقيقي في ذلك، وإن كنا لا نغفل ـ كسبب ـ التراجع الثقافي العام الذي عانى منه هذا العصر، وانحسار الأدب والثقافة لصالح منجزات تقنية وبصرية عديدة شغلت الناس.

سبب آخر وهو حالة من الاستهتار العام بقيمة الشاعر الغنائي القادر على إبداع أغنية حقيقية تؤثر في الناس، ولعل من مظاهر هذا الاستهتار توجه عدد من المطربين إلى الكتابة بأنفسهم، وكانت النتيجة نصوص غنائية ركيكة سطحية، ولعل نموذج المطرب تامر حسني الذي ألف أغنيته العبقرية "قوم اقف وانت بتكلمني" دليل واحد على ذلك..!

تواضع النصوص الغنائية أفقد الأغنية العربية قيمتها ووقعها وتأثيرها، فلم تعد الأغنية اليوم كما كنا نسمعها سابقا أحد المؤثرات المهمة في التعبير والترفيه والوعي والتأثير والتغيير، لقد أصبحت الأغنية كفقاعات الصابون تنطلق بكثرة، ولكن سرعان ما تضيع في الهواء..!

تصوروا .. مازال شعراء اليوم يصفون وجه الحبيبة بالقمر، وفراق الحبيبة بالجمر، والشوق بـ "النار " وهي معان مستهلكة قتلت استخداما واجترارا، فأصبحت كلوح الثلج الميت خالية من النبض ومن الحياة.

ليت الأمر اقتصر على ذلك، وإنما هبطت الصورة الشعرية إلى مستوى غريب من الضعف، والسطحية والعادية وبعض الأغاني أوغلت في الركاكة حتى أصبحت تقدم الصورة الهزلية المضحكة، وفي أحيان أخرى تقدم المعاني القبيحة المبتذلة التي تتنافى مع أقل مقوم من مقومات الأغنية كشيء جميل.

الصورة الشعرية هي أساس الشعر، لولاها لتحولت الأغنية إلى تقرير أو نشرة جوية، وفي أقل التقديرات إلى حوار عادي بين اثنين لا طعم له ولا رائحة، والصورة الشعرية يجب أن تكون جديدة مبدعة، ولكن الكثيرين يجهلون ذلك.

نحتاج إلى التوعية بطبيعة النص الغنائي ومكوناته ومقومات الإبداع فيه، حتى تستعيد الأغنية وقعها وصوتها الحقيقي الذي ضاع في الضجيج.