وعلى مسؤوليتي، ومن واقع تجربتي، لا توجد أمام الكاتب السعودي أي مشكلة أبدا لاصطياد الأفكار ومن ثم تحويلها إلى مشروع كتابي. وعندما تستيقظ، مثلي، بعد الظهر، فلا تجد عنوانا جديدا لمقال طازج، فلا نصيحة عندي سوى أن تخرج لأقرب شارع عام. وكل شارع عام في وطني به ما يكفي من بناء الأفكار، ما يكفي للكتابة لشهر كامل فما بالك بوطن به ما يقرب من ثلاثين ألف شارع عام. هذا ما فعلته بالضبط بعد ظهر الأمس. خذ مثلا أنني أسكن على شارع متفرع من الشقة "العظمى" التي تسكن بها هيئة مكافحة الفساد بهذه المدينة. خذ هذه المقاربة: في دكان مجاور لمسكن هيئة مكافحة الفساد اشتريت صحف الأمس لأبحث عن العنوان الأبرز التالي: مئة مليون منشط دعوي استقبلها هذا الشعب الكريم في عام واحد ما بين الندوة والمحاضرة والمطوية والمخيم والمركز واللوحة الوعظية. وهذا يعني أن كل مواطن بالغ راشد قد استقبل ما لا يقل عن عشر مواعظ في أقل من عام واحد. أين تكمن فكرة الربط إذاً ما بين حجم الفساد وكثافة الوعظ؟ تكمن في الرقم التالي الذي يقول إننا في مركز ما بعد المئة في مؤشر المنظمة الدولية للشفافية... وعلى فكرة، فإن مسطرتها لا تزيد عن 120 دولة. الربط الصحيح يكمن في المقاربة ما بين مئة مليون نشاط وعظي دعوي وبين هيئة مكافحة الفساد التي تسكن في شقة من ثلاث غرف.

"بلاش وجع رأس".. ومن الشارع نفسه. تقول الصحيفة الأخرى في خبر ثانوي شارد إننا سابع شعب على مستوى العالم في نسبة الصرف على الملابس ومستهلكات التجميل للجنسين، وإننا رابع العالم في الإقبال على عيادات جراحة التجميل بهذا الكون. ونحن بهذا الرقم -إن صح- نتفوق على أشرفية بيروت وغرب "كان ونيس" وأيضا على سكان حي "لاهوتا" الأنيق في شمال "بيونس أيرس" الأرجنتينية. ومرة أخرى أين تكمن فكرة الربط بين الرقم وبين الواقع؟ يكمن الرابط بالضبط في رقم قديم لا زلت محتفظا به في ملف "شخصية السعودي" وهو رقم يقول إن 60% من رجالنا الأشاوس يتحركون في بيوتهم وتصورهم طوال اليوم بـ"السروال والفنيلة" رغم أننا -وعلى ما يقول الرقم المثير- سابع شعوب الكون في الصرف على الملابس ولوازم التجميل والأناقة.

وختاما انتهت المساحة دون "مساحة" لتوصيف حال "الركب السود" فاكتفيت من الشارع بفكرة العنوان بعاليه.. أبو "سروال وفنيلة".