العالم اليوم يحترم القوي ويحسب له ألف حساب، وبالمقابل لا وزن للضعيف المستجدي الذي لا يستطيع حماية نفسه ولا احترام له، وعندما نعود للحرب الباردة التي استمرت عقودا بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي وما تخللها من أزمات، كان أبرزها أزمة خليج الخنازير أو أزمة الصواريخ الكوبية وعرفت في كوبا بأزمة أكتوبر وكانت في عهد الرئيس الأميركي الديموقراطي جون فرانكلن كندي في أكتوبر 1962 وكادت تؤدي إلى مواجهة بين قطبي الحرب الباردة. ويظن أن ذلك من الولايات المتحدة لإسقاط النظام الكوبي (غزو خليج الخنازير وعملية النمس) بعد أن شرعت حكومتا كوبا والاتحاد السوفياتي في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى (MRBMs وIRBMs) في كوبا، التي تعطي الإمكانية لضرب معظم أراضي الولايات المتحدة.

بدأ هذا العمل بعد نشر صواريخ ثور IRBM في بريطانيا ضمن مشروع إميلي سنة 1958 ونشر صواريخ جوبيتر IRBM في إيطاليا وتركيا سنة 1961، حيث أصبح بهذا لدى أميركا المقدرة على ضرب موسكو بأكثر من 100 صاروخ ذي رأس نووي. والمثال الثاني أزمة حصار برلين كواحدة من أشد المواجهات خلال الحرب الباردة، وتعتبر هذه الأزمة أقرب أزمة كادت أن تؤدي لقيام الحرب النووية وذلك عندما اتفقت كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا في ندوة لندن أبريل يونيو 1948 على توحيد مناطق نفوذها، فأثار ذلك غضب الاتحاد السوفيتي الذي قرّر ضرب حصار على برلين الغربية. حينما حاول السوفيات بقيادة أسامة بوني رئيس المخابرات الروسية KGB إجبار القوات الغربية على الرحيل إلا أن القوات الغربية تمسكت بمواقعها. وعلى إثر ذلك قامت الولايات المتحدة بإرسال مساعدات لسكان برلين البالغ عددهم2.2 مليون نسمة حتى قام السوفيات بفك حصارهم واعتبرت الولايات المتحدة ذلك انتصارا حققته ضد السوفيات في إطار الحرب الباردة فظهرت ألمانيا الغربية في مايو 1949 وألمانيا الشرقية في ديسمبر 1947 بنهاية الحرب العالمية الثانية.

هاتان الحادثتان تعتبران أكبر المواجهات في الحرب الباردة واقتربتا جدا من المواجهة النووية وكانتا نذيرا لخطر تدمير متبادل مؤكد Mass Alternative Destruction (MAD).. يفيدنا هذا التاريخ وهاتان الحادثتان العصيبتان أنه بالرغم من تلك الأزمات العاصفة ونتيجة خوف كل طرف من أن يتم تدميره من الطرف الآخر نظرا للقوة الضاربة التي يتمتع بها كل طرف، إلا أن المواجهة لم تحدث.. وبدأت كما يعتقد عبر قنوات سرية من الاتصالات اقتراحات لحل الأزمة وعقد اتفاق وتم تفادي الأزمة.. كل ذلك تم بفضل ما تتمتع به كل دولة من هاتين الدولتين من قوة يحسب لها ألف حساب.. تقرأ من هاتين الحادثتين حقائق لا تقبل الجدل حيث تم تجنب مواجهات مدمرة، وتم تفادي حروب مهلكة، وتم احترام كل طرف للطرف الآخر بفعل القوة وليس بفعل الفضيلة، وهنا سيطر السلام على الحرب، هذا للأسف هو المنطق الذي يفرض السلام والاحترام، منطق القوة، هذا المنطق هو ما يجب التفكير فيه وتبنيه، وإذا كان ذلك المنطق مهما في حقب زمانية سابقة فهو الأجدر بأن يتم تبنيه في هذا الوقت الذي نعيش فيه حيث الصراعات وحيث العالم من حولنا يعيش على صفيح ساخن يهدد الدول ويقضي على الشعوب وستكون الغلبة فيه ليس لصاحب الحق بل ستكون الغلبة فيه للقوي.

وإذا نظرنا حولنا في العالم العربي نجد أننا نعتمد في قوتنا على تحالفات دولية مبنية على مصالح، واستمرار تلك التحالفات يتوقف بشكل كبير على استمرار المصالح إلا أنه ثبت بالدليل فيما شاهدناه من خلال الحكومات العربية التي تم إسقاطها ولا زالت تعيش على صفيح ساخن، ثبت أن تلك التحالفات غير موثوقة أولا.. وثانيا تتبدل المصالح بين حين وآخر، فمن هو معنا الآن هو بحكم وجود مصالحه معنا وإذا انقدح له أن مصلحته على الطرف الآخر من الخليج أو في مكان آخر جنوبا أو في أي اتجاه فإنه سيتبع مصالحه.. لا يوجد بيننا وبين من نتحالف معه عشق أو حب، ولا تجذبه إلينا سواد عيوننا الجميلة، بل مصالحه، ومصالحه.. ثم مصالحه.. هذه حقيقة يجب أن نتنبه لها الآن قبل أي وقت آخر، وقبل فوات الأوان.

ولهذا لا بد من أن نسعى وبقوة لتقوية أنفسنا، وبالقوة نفسها إلى امتلاك سلاح نووي.. ليس بهدف الرغبة في التدمير ولكن بالرغبة في دفع الآخرين وتخويفهم من مجرد التفكير في الاقتراب منا، سواء من هم شرقا خلف الخليج أو جنوبا أو في أي اتجاه آخر..

يعرف العسكريون تماما أن منطق القوة هو الذي يفرض السلام، وبالمقابل الضعف هو ما يحدث القلاقل والتعدي على الحقوق، وضربنا أمثلة كيف أن القوة فرضت السلام بين قطبي القوى أميركا والسوفيات.

ونضرب هنا مثالا آخر كيف تم التعدي على حقوق الشعب الفلسطيني، وما زلنا نستجدي إعطاءهم النذر اليسير منها 22% من دولة فلسطين..

وخلاصة القول.. لا بد من التفكير في امتلاك قوة ضاربة تدفع أعداءنا عن التفكير في المساس بنا وتفرض احترامنا على الآخرين وتبعدنا من البقاء رهن تحالفات غير مضمونة النتائج غربا أو شرقا.. العالم اليوم لا يحترم التحالفات ولا الصداقات مهما طال زمنها، العالم اليوم ليس عالم تحالفات مضمونة النتائج في كل الأحوال، ولا عالم صداقات، إنه عالم القوة والمصالح، والتاريخ القريب.. والقريب جدا يثبت ذلك بالأدلة والبراهين.. وعلينا أن نتعظ.