في الوقت الذي تعد فيه وزارة الإسكان خطة طوارئ لضمان عدم تعثر مشاريعها السكنية أعلنت شركة صينية عن نجاحها في صناعة منازل من خمسة طوابق باستخدام طابعة عملاقة ثلاثية الأبعاد، وبدأت هذه الشركة المتخصصة في التصميم الهندسي نشاطها منذ حوالي 11 شهرا وتمكنت من خلال طابعتها العملاقة من بناء المنازل باستخدام مزيج من بقايا مواد البناء وبتكلفة 17900 ريال فقط للمنزل الواحد، وللتأكيد على المبلغ الذي يعتقد البعض أنه تمت كتابته بخطأ مطبعي فإنه كتابة سبعة عشر ألفا وتسعمائة ريال فقط لا غير. يبلغ ارتفاع الطابعة المستخدمة في عملية البناء 7 أمتار تقريبا وعرضها 10 أمتار وطولها 166م، أما الحبر المستخدم فهو مزيج من بقايا مواد البناء والزجاج والفولاذ والإسمنت الذي يتم رشه على كل طبقة مستقلة حتى يتكون الحائط السميك، وتقلل هذا الآلية في البناء من الضوضاء التي تحدثها عملية البناء التقليدية ولك أن تتخيل أنه يمكن من خلال هذه الطابعة أن تبني وحدة سكنية كاملة في يوم واحد فقط.
خبر أن وزارة الإسكان تعد خطة طوارئ لعدم تعثر مشاريعها، هذا الخبر وكأنه يوحي أن مشاريع وزارة الإسكان متسارعة ومنتجة وتسير على الطريق الصحيح، وأن ميزانيات الدولة التي حددتها لدعم برامج الإسكان لا يقف أمامها أي عائق لتصل لمستحقيها وأن كل شيء يسير بالتمام والكمال وما خطة الطوارئ التي تعدها وزارة الإسكان إلا لضمان عدم التعثر.
من المعلوم في علم إدارة المشاريع أن إعداد خطة طوارئ لعدم تعثر أي مشروع يأتي دائما قبل صافرة البداية، أو في لحظات الإنتاج الكبير والناجح الذي يخشى عليه من التراجع والفشل، أما أن يعلن مشروع بطيء الإنتاج وقدراته محدودة والمستفيد المحتمل يعلن باستمرار تذمره من التأخير وعدم وضوح آلية التوزيع وسخطه من قلة الإنتاج فإنه أمر يدعو فعلا للتعجب والتساؤل ولا يمكن أن يتم وصف هذه الخطة بخطة الطوارئ، نستطيع أن نطلق عليها أي مسمى إلا خطة طوارئ لعدم التعثر.
لو تكلمنا بلغة الأرقام منذ تأسيس وزارة الإسكان وحتى تاريخ هذا اليوم.. كم عدد المواطنين المستفيدين من هذه الوزارة؟ وكم العدد على قائمة الانتظار؟ مسافة الأرقام شاسعة بين عدد المستفيدين والعدد على قائمة الانتظار. ولذلك من غير اللائق أن نأتي في هذه اللحظة التي يعاني فيها المواطن من تأخير استلامه لوحدته السكنية ونتحدث عن خطة طوارئ لعدم التعثر؟ لأنه حتى الآن لم ير المواطن الإنجاز الذي يخشى عليه من التعثر، بل إنه يريد خطة إنقاذ، خطة للتنفيذ بأسرع وقت، خطة لتقليص فترات الانتظار، ولأن يعرف على الأقل كل مواطن الموعد التقريبي لاستلام وحدته السكنية.
ولذلك أقترح على وزارة الإسكان أن توفر جهدها ووقتها الذي تهدره في الإعداد لخطة الطوارئ لعدم تعثر مشاريعها وأن تتجه للاستفادة من برامج الإسكان الناجحة مثل برامج شركة أرامكو كمثال، أن تقلل نسبة المواطنين المستحقين للمنازل إلى أقل عدد ممكن.. أن تكون على الأقل نسبة المستلمين للوحدات السكنية أعلى من نسبة المنتظرين، حتى لو تتجه للتعاون مع هذه الشركة الصينية التي أملك كافة بيانات التواصل معها وأعلن استعدادي للتطوع الخيري لبحث سبل الشراكة بينها وبين وزارة الإسكان. ليس من العيب أن نستعين بشركة أجنبية لحل أزمة الإسكان، كل ما في حوزتنا هو ليس من صنعنا، الهاتف أو الجهاز الذي تقرأ منه هذا المقال ليس من صنعنا، الآلة التي طبعت لك هذه الصحيفة ووسيلة النقل التي أوصلتها لك أيضا ليست من صنعنا.. والملابس التي نرتديها كذلك ليست من صنعنا، لذلك ليس من الضير أن نستورد طابعة نطبع بها منازلنا التي انتظرناها طويلا وبأقل التكاليف وأعلى مواصفات الجودة، ونجعل من وزارة الإسكان بدلا من أن تبني بميزانيتها التي حددتها الدولة 500 ألف وحدة سكنية فقط في سنوات طويلة وغير واضحة في ظل برامجها البطيئة التي تعمل عليها الآن؛ أن تبني أكثر من 10 ملايين وحدة سكنية خلال سنة واحدة فقط في مخططات مكتملة الخدمات.
أن تبنيها على الطريقة الصينية بطابعتها الثلاثية الأبعاد، التي تملك مواصفات جودة تعجز عنها طريقة البناء التقليدية.. أن نصفق كثيرا لأن وزارة الإسكان آمنت أنها بحاجة لخطة إنقاذ أكثر مما هي بحاجة لخطة طوارئ لضمان عدم تعثر المشاريع.