من أكثر ما يميز بعض مواقع التواصل الاجتماعي قدرتها على أن تتيح للفرد إمكانية خلق صورة نمطية لإنسان معين لا يعرفه شخصيا، وذلك من خلال تتبع ما يغرد به أو ينقله من روابط وردود على الأشخاص ونوعية الأفراد الذين يتابعهم ويتابعونه.
هذه الميزة لا تعني بالضرورة أنها إيجابية، بل هي وصف لحالة تمايز بين استنتاجاتنا الشخصية حيال الناس الذين نتابعهم إلكترونيا، وبين استنتاجاتنا الشخصية حول الأفراد والجماعات الذين نقابلهم في الحياة الطبيعية، في المكتب أو الشارع أو المطعم أو أي مكان آخر.
كثيرا ما نسمع تعليقات من أفراد عرفناهم فقط عبر تلك المواقع عند لقائنا الوجاهي الأول من قبيل أنهم لم يكونوا يتصورون أننا كذا أو كذا، فقد تبين لهم أن كل الصور الذهنية التي رسموها والأحكام المسبقة التي بنوها عنا لم تكن إلا صورة مشوشة عن الحقيقة التي كشفت لهم عند اللقاء الأول، فتعابير الوجه مثلا تلعب دورها، ونبرة الصوت لها تأثير، ولغة العيون، وحركة الجسد، كلها تسهم في رسم صور مغايرة لواقع لم يبن إلا من خلال حروف كتبت وقرئت من على سطح واجهة إلكترونية مسطحة.
قد يقول البعض إن هذا هو زمن الحكم على أفكار الأشخاص لا على شخصيتهم، وهو قول مخيف كما يتصور كثير منا، لأنه أقرب لمقولة أنه زمن الحكم على النوايا لا على الأفعال، وهو بالتالي زمن سيحول الإنسان إلى أسير حقيقي لتفسير وتحليل غيره لما كان ربما يقصد ذاك الإنسان أو ربما لم يقصد، تماما كما حدث في عصور الظلام الأوروبية التي حكم على الناس في محاكم تفتيش تحاسب الناس على ما كان القوي يعدّه تجاوزا قام به المدان المسكين.
المتابع الجيد والمواظب لمواقع التواصل الاجتماعي، يعلم جيدا أن هناك معارك بين أطراف وأسماء وشخصيات معروفة حول مواضيع ومواقف مختلفة، حتى إن الفضاء الإلكتروني هذا يمكن تحليل المنتسبين إليه ما بين المعارض والمؤيد لهذا الموضوع أو ذاك، فتحديد انتماء وأفكار وتوجهات المشارك الإلكتروني يعد للأسف في هذه المواقع ضرورة واجبة، للتمكن من الإبحار ووضع بصمة مؤثرة بين الجموع، وبذلك أصبح كل فرد عرضة لمحاكم تفتيش أسهم هو ذاته في خلقها وتثبيت أسسها الظالمة.