عقب القمة السعودية - القطرية الأخيرة انطلقت موجة "حرب نفسية" شنها منظرو تنظيم "الإخوان" الدولي بالربط المتعسف بين الترتيبات الخليجية والتحولات المزعومة لصالح الجماعة المجرّمة سعوديا، والتشكيك بمواقف المملكة حيال مصر، وأمست مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية ساحات لترويج تلك الترهات، بالتزامن مع حملات "دعاية سوداء" تشنها فضائيات الإخوان التي تبث من تركيا وتغطيات صحفهم اللندنية، بتنسيق احترافي يتجاوز العفوية لممارسات ممنهجة، وانزلق لمستنقع "المرجفين" بعض مقدمي البرامج الحوارية بفضائيات مصرية ممن يجهلون "الكود السياسي السعودي"، وتجاهلوا اتصال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وتأكيده الصريح لمواقف الرياض المؤيدة للقاهرة، ليوجه لماكينة الإخوان الإعلامية ضربة قاصمة.

ناقشت دبلوماسيين سعوديين وصحفيين خبراء بمطبخ السياسة الخارجية للمملكة، فلمست تطابق تقديراتهم، فالجهود المشتركة بين الرياض والقاهرة، بالتحضير للمؤتمر الاقتصادي المقرر الشهر المقبل لمساندة مصر اقتصاديا تمضي بوتيرة راسخة، رغم "حديث الإفك" الذي تسعى "جهات ما" إلى ترويجه بإلحاح لمزاعم مثل "احتواء الإخوان"، وما يسمونه "أزمات مكتومة" بين مصر ومنظومة الخليج بقيادة السعودية، والقفز لاستنتاجات مضللة لاستفزاز الشعوب، واستدراج الإعلام لمهاترات اكتوينا منها، لكنها باءت بالفشل الذريع بفضل تدخل القيادات السياسية بالبلدين في الوقت المناسب لإجهاضها بمهدها.

حاورت أيضا دبلوماسيين وساسة مصريين فأكدوا توافق البلدين استنادا إلى عمقها الاستراتيجي، إضافة إلى تلاقي مصالحهما، فهناك ملفات مشتركة إقليمية ودولية تتعاون فيها "الدولتان المحوريتان" بشتى المستويات يتصدرها أمن البحر الأحمر والأزمة اليمنية ومكافحة الإرهاب، مشيرين إلى التدريبات العسكرية المصرية - السعودية بباب المندب عقب تهديدات الحوثيين.

ورغم محاولات الإخوان تسويق "حديث الإفك" بنشر معلومات مغلوطة ومغرضة تشير إلى احتقان علاقات مصر ودول الخليج، لكن التوجهات الموحدة نسفت تلك الدسائس، فالقرارات الاستراتيجية تخضع لحسابات دقيقة ومشاورات تتجاوز سذاجة ربطها برؤى شخصية، فهناك "مجموعات عمل" ومراكز تفكير "Think Tanks" تقدر كل المواقف بعناية فائقة، خاصة بهذه الظروف الدقيقة التي تشهدها المنطقة الملتهبة، فليس لدى البلدين سوى "خيار التحالف" لتأمين استقرار الإقليم المحاصر بفوضى عارمة وانزلاق دول مهمة لمستنقع الاقتتال الأهلي وحضيض "الدول الفاشلة"، الأمر الذي أبرز السياسات السعودية الإقليمية والدولية المستقرة، ولهذا تبلورت قراراتها بحكمة وحسم لمعالجة قضايا بالغة الحساسية، كانضمامها للتحالف الدولي ضد "داعش" ودعمها البحرين حين تعرضت لأزمات داخلية، بالإضافة إلى دورها التاريخي بتوحيد الصف الخليجي، واحتواء الخلافات العربية بدبلوماسية محترفة.

والمعلوم للكافة أن الملك سلمان بن عبدالعزيز يتصدى لتحديات جسام تواجه المملكة والمنطقة بحنكة وحزم، فالتطورات الأخيرة باليمن وانقلاب الحوثيين، وتفاقم خطر "الدواعش" و"القاعدة" إقليميا، وتعرض حدود المملكة لمحاولات تسلل الإرهابيين شمالا وجنوبا، والمشهد السوري الملتبس، وتصديها لأجندات بعض دول الجوار، وتحديدا إيران وتركيا، فهذه القضايا والملفات الشائكة تقتضي تعزيز الجبهة الداخلية، وتعظيم تحالفها المصري، لإطفاء حرائق المشهد الإقليمي المشتعل.

ولعل أبرز سمات سياسات السعودية الإقليمية والدولية هو الخيط الرفيع الفاصل بين استقرارها ونجاعتها، ولهذا تبلورت سريعا "قرارات مصيرية" أكدت اتفاق المراقبين للسمات الشخصية للملك سلمان التي تتبنى توجهات إصلاحية ونهجا متدرجا لمعالجة الملفات الداخلية، واعتماد آليات مدروسة بعناية لضبط التوازنات المحلية، وتناغمها مع محيطها الخليجي والعربي والإقليمي.

تبقى الإشارة إلى ثلاث محطات فاصلة فرضت على السعودية ومصر التحالف الاستراتيجي، الأولى: ثورة الخميني، والثانية حرب العراق وإيران التي امتدت سنوات، والثالثة غزو صدام حسين للكويت ومشاركة الجيش المصري في حرب تحرير الكويت، وبعدها وقعت أحداث 11 سبتمبر2001 التي فجرت الحملة الإعلامية الأميركية الشرسة، خاصة في ظل رؤية الأميركيين والأوروبيين للتعاون المصري - السعودي قوة يمكنها تطويق الصراع بالشرق الأوسط، ويرون باختلاف الدولتين ضعفا وتهديدا للاستقرار الإقليمي، وهذه ليست رؤية الغرب فحسب، لكنها حقائق التاريخ أيضا، ففي حالات التقارب المصري - السعودي رأينا منطقة أكثر استقرارا، وأثناء الخلافات رأينا منطقة مشتعلة، فقضايا الأمم ومقدرات الشعوب ليست موضوعا لتخرصات المرجفين.