ينقسم عالم اليوم إلى معسكرين، معسكر مقترف لجميع الخطايا مجاهر بخطاياه تحت تبريرات وذرائع أوهن من بيت العنكبوت، ومعسكر متحفظ يحرص على تحري الشرعية الدولية والشفافية في جميع تحركاته.

والمضحك المبكي في آن أن هذا المعسكر الأخير كثيرا ما يتعرض للاتهام بالخروقات الإنسانية والسياسية والحقوقية على الرغم من التزامه الشديد إلى حد ملّه الالتزام والملتزمون، وكان ذاك المعسكر الأول المتبجح قد جُبِل على إلقاء خطاياه على الآخرين، واتهامهم بها على طريقة "رمتني بدائها وانسلت".

شيء من هذا، بل كثير منه تتجرعه بلادنا، الدولة العريقة التقاليد السياسية التي جبل ساستها على المواقف الواضحة والشفافية واحترام الشرعية الدولية، منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه - حتى اليوم، فعلى الرغم من شفافية مواقفنا السياسية واحترامنا للشرعية الدولية ولجوئنا إلى القنوات القانونية لدى الجهات الدولية المعتبرة في جميع نزاعاتنا وقضايانا مع الآخرين، إلا أننا متهمون من قبل أكثر من جانب، وأبرزها الجانب الإيراني بارتكاب الخروقات القانونية والحقوقية، لا سيما في حق إخوتنا وشركاء وطننا شيعة المملكة، وهؤلاء الأخيرون أعلم الناس بكذب الادعاءات الإيرانية، وأعلم الناس بأننا جميعا سواء أمام دولتنا التي نعيش على أرضها في أخوة ومحبة، لولا القلاقل التي تسعى الدولة الإيرانية إلى ضرب أسافينها بيننا من حين إلى حين من خلال شرذمة قليلين أصبحوا عبئا حتى على أتباع مذهبهم من إخوتنا في المنطقة الشرقية الذين أعرف شخصيا كثيرين منهم ضاقوا ذرعا بهذه الممارسات الصبيانية التي تعكر عليهم صفو الحياة في وطن لم تعد له مشكلة تؤرقه إلا جنوح حفنة من مأجوري الدولة الإيرانية المفتونين بخطابها العدائي للمملكة تحت ذريعة حماية الأقلية الشيعية في المملكة. من ماذا؟ لا أحد يعرف.

فالشيعة قبل السنة في المملكة بألف خير، ولا ينقصهم إلا أن "تفكنا إيران من شرها".

والشاهد في جميع ما تقدم أن الجميع يتذرعون بمصالحهم لارتكاب ما يشاؤون من خروقات، أما المجتمع الدولي، الذي نعول عليه، فهو الآخر يتغاضى عن كثير من هذه الخروقات من أجل مصالحه مع مرتكبي الخروقات، والخاسر في الأخير من يحترمون شرعية لم يعد أحد في العالم يحترمها إلا على الورق أو في اللقاءات الصحفية وأمام شاشات الفضائيات، أما الحقائق الكبرى في هذا العالم فتمرر من تحت الطاولات.

وعلى كثرة ما نعيشه من خروقات للشرعية الدولية فإن أقرب ما يعنينا منها ما يرتكب في الجار والشقيق اليمن من ولاية شبه علنية للدولة الإيرانية عليه، ليس من خلال الحوثيين وحسب بوصفهم فصيلا في المشهد السياسي اليمني ليس من حقه اختزال المشهد كله لحساب أجندته الإيرانية المرجعية، بل في وجود عناصر إيرانية يراها الجميع موجودة في قلب المشهد اليمني، في خرق صارخ للسيادة اليمنية، وتجاوز صارخ أيضا لحق البيت اليمني في خلوه من الغرباء وقت التفاوض بين أبنائه مهما اختلفت هوياتهم، وكانت عناصر استخباراتية في العاصمة صنعاء قد كشفت في ديسمبر 2014 عن وجود عناصر تابعة للحرس الثوري الإيراني ولحزب الله تقوم بتدريب جماعة الحوثي في شمال اليمن، وأشارت إلى وجود عدد كبير من عناصر الحرس الثوري وحزب الله في شمال اليمن لمساعدة الحوثيين على تنفيذ أجندتهم السياسية والعسكرية في صنعاء.

وأمام هذه الخروقات التي تتم في حق سيادة دولة كاليمن بهذا الحجم، بحجة المصالح الإيرانية يبقى السؤال: ألسنا نحن أيضا لنا مصالح تستدعي منا التدخل على الوجه الذي يناسبنا ويحقق مصالحنا؟ فإذا كان هؤلاء يتحـركون كما يشاؤون في المنطقة بحجة أن لهم مصالح، فنحن أيضا لنا مصالح، والأدهى من ذلك أننـا نواجـه مخاطر، ولا ننسى في الأخير أننا قادرون على حماية مصالحنا والوصول إلى غاياتنا من جميع الطرق، مثل الآخرين تماما، الفرق بيننا وبينهم، أننا مهما كانت طريقتنا نبقى دعاة حق ندافع عن مصالحنا ووجودنا، وهم مبطلون كاذبون مخادعون، لا بلغهم الله آمالهم.