وصلتني على الإيميل دعاية لمؤتمر حول الإرهاب الإلكتروني الذي قال عنه المسوقون إن الإرهاب تطور وأصبح إلكترونيا، والإرهاب يعني هنا التعدي على الأوطان والممتلكات والخصوصيات وسرقة المعلومات، إذا فالإرهاب الإلكتروني يتخذ أشكالا عديدة للإضرار بالأوطان والأفراد في كل ما يخصهم ماديا ومعنويا وعلى جميع المستويات الفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها.

وكنت هنا في هذه الصحيفة قد كتبت قبل عام تقريبا مقالا حول هذا الموضوع تحدثت في جوانب عديدة من هذا النوع من الإرهاب، وقلت في ذلك المقال إن فوائد عصرنا هذا الذي نعيشه، فيه ما يسمى القرية الكونية فوائد جمة إلا أنه بالمقابل وكما قال عنه بل جوي Bill Joy مخترع برنامج جافا (JAVA) العظيم.. "إن المستقبل لا يريدنا" لأنه يتوقع أن تكون التقنية أشد فتكا بالإنسان والأوطان من أسلحة الدمار الشامل، نعم، هكذا قال.. وهو واحد من القلائل الذين يعدون فرسانا حقيقيين للتقنية، وأحد مخترعي أهم اختراع تقني، لا يوجد بنك أو مؤسسة في العالم أو فرد لم يستخدم هذا الاختراع.

والواقع أن التصدي لسلبيات التقنية العصرية أو قل تقنية العصر الرقمي تنجح أحيانا وتخفق أحايين أخرى، ومن جوانب الإرهاب الإلكتروني سرقة المعلومات، وسرقة الأموال وتلويث الفكر لدى الأفراد والجماعات، والحديث عن هذه الجوانب الثلاثة يطول، لكننا سنتحدث باختصار عن بعض منها ونترك الحديث عن بعضها لوقت آخر، فمن أكبر جوانب الإرهاب الإلكتروني العبث بأمن المعلومات، وقد تم إعداد دراسات وبحوث وورش عمل تتعلق بتقنية أمن الشبكات والجريمة الإلكترونية وحماية أمن المعلومات، الحماية القانونية للمعاملات الرقمية والبنوك الإلكترونية ومعرفة موقف التشريعات المحلية منها، وحجية الإثبات في المعاملات الرقمية والتجارة الإلكترونية، وأمن وسلامة نظم المعاملات الإلكترونية في البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية وأشكال الاعتداء على بطاقات الائتمان وأنظمة الأمان المتوفرة لها، والتكييف القانوني للاعتداء على بطاقات الائتمان وفق التشريعات القائمة، وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب عبر الإنترنت، والدخول غير المشروع على الشبكة، وتدمير الشبكات أو تعطيلها أو الاستيلاء عليها، واختراق الشبكات واصطياد المعلومات باصطناع مواقع على الإنترنت، والاستيلاء على بيانات البطاقات الائتمانية عبر الإنترنت استدعى من العاملين كافة بقطاع نظم المعلومات والإدارات القانونية بكافة الوزارات والهيئات والمؤسسات والمنظمات والبنوك والمختصين بالتجارة الإلكترونية البحث عن حلول تقضي على هذا النوع من الإرهاب، وتسد هذه الثغرة الكبيرة في العالم الرقمي.

هذه القضية شكلت حربا مستعرة بين المستفيدين من هذه الثغرة من العصابات و"الهاكرز" ومن على شاكلتهم وبين المتضررين من الحكومات والمؤسسات والبنوك والأفراد، والمشكلة أن هناك جهات وأفرادا داخل كل ما سبق تكشف المعلومات بطرق غير مشروعة، ويعد الأمر مشكلة كبيرة ومستمرة تتلون طرقها ومساراتها، وكلما تم سد ثغرة فتح المستفيدون ثغرات لتستمر المشكلة وتستمر الحرب عليها.. ثم أخذت هذه المشكلة منعطفا خطيرا وصل إلى الأفراد ليشكل اختراقا غير أخلاقي للخصوصيات.

إذن هذه هي المشكلة.. ولنسأل عن الحل؟ المشكلة التي تتعلق بالحكومات والمؤسسات والبنوك تعمل تلك الجهات على التصدي لها وتصرف مبالغ طائلة في تبني أنظمة رقمية صعبة الاختراق، يتم تبديلها بين الفينة والفينة حتى لا يتم اكتشاف أسرارها مع مرور الوقت، ولكن تبقى مشكلة الأفراد واقتحام خصوصياتهم مشكلة قائمة، حيث لا حول لهم ولا قوة ولا حيلة ولا رادع لمن يسطو على معلوماتهم الشخصية، وتستغرب أن يتم الاتصال بك أو تلقي رسائل عديدة من مؤسسات وشركات بهدف الدعاية والتسويق.. ونسأل هنا: ما هو المدى الذي يتم اختراقه للمعلومات المتعلقة بالأفراد؟ هل يتم تسريب معلومات عن وسائل الاتصال بالأشخاص أم بتعاملاتهم المالية وأرصدتهم؟.. أم بمعلوماتهم الشخصية المتعلقة لعدد أفراد العائلة وأعمارهم، وهل تتم المتاجرة بتلك المعلومات؟ كشف المعلومات والتعدي على الخصوصيات إرهاب حقيقي وإضرار بالأفراد والجماعات والأوطان.. فضلا عن كونه ممارسات لا أخلاقية. هذا النوع من الإرهاب لا بد أن يدرس ويبحث وتعرف طرقه وأساليبه وأهدافه.. يجب ألا يكون هؤلاء الإرهابيون أكثر ذكاء من المجتمعات.. هناك بعد آخر لهذه المشكلة وهو ما يسمى بـ"الهاكرز"، وهؤلاء لهم قصة أخرى، وهم مشكلة على مستوى العالم، ولا يجب ألا يكون ذكاؤهم أعلى من ذكاء القائمين والحارسين على أبواب ومنافذ التقنية لدينا، وإن كانوا كذلك فهي مشكلة.

وخلاصة القول: الواضح أن هناك ممارسات إلكترونية وصل بها الحد إلى أن نطلق عليها إرهابا.. ونحدده بالإرهاب الإلكتروني..هذا النوع من الإرهاب يضر بالأفراد والمجتمعات والأوطان.. يضر بمصالحها على كل المستويات الفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها. إرهابيو العالم الرقمي أذكياء ونشطاء.. نعم أذكياء جدا.. والمشكلة الحقيقية أن يكون ذكاؤهم أشد حدة من ذكاء المجتمعات التي تحاربها، فيتغلبون على هذه المجتمعات وينتصر الإرهاب الإلكتروني فتحل الكوارث بالأفراد والمجتمعات والدول.